محمود السوكني
إشتد عليه المرض بعيداً عن الديار وهو الجنوبي المسكون بعشق الوطن ، فأحببت أن اعيد نشر مقال سبق أن كتبته في حقه منذ سنوات . كان عنوان المقال أنذاك (شهادة هذا الرجل)
—————————————-
“محمد فاضل زيان”
اسم قد لا يعرفه الكثيرون ، و لا يحفل بسيرته من سرق وعيهم وهج الأسماء الرنانة التي تتربع في صدارة المشهد دون وجه حق!
هذا الرجل ظلم نفسه و ظلمنا معه عندما ارتأ ان ينزوي بعيداً عن المشهد و فضّل العزلة على ان يكون طرفاً فيما ارتهن عمره من أجله!
هو وطني حتى النخاع ، ينبض قلبه بحب وطنه ليبيا و تتدفق الدماء في شرايينه بالعروبة التي تسكنه و تقض أحوالها مضجعه دون ان يحرك ساكناً سوى تجرع الألم و معاناة الوجع!!
قد يتسأل بعضكم ، و ما الذي يستطيع صنعه فرد لا حول له ولا قوة امام هذا الدمار الذي يجتاح وطننا المنكوب بأهله؟!
ما الذي يقدر على فعله في وجه من يعبثون بالوطن و يضرمون النار في تاريخه و يهدّون كيانه ؟
بداية يجب ان نتفق على أن ما يحدث الآن في ليبيا سببه الأساسي غياب الوعي ، و الوعي هنا نعني به حقائق الامور من أحداث و أشخاص و مواقف قد تكون غابت عن أغلبنا، او تم تعتيمها في هوجة إستقبالنا لرموز 2011 و ما أفرخته بعد ذلك من شخوص !
هنا كان لابد لهذا الرجل أن يظهر ، أن يتكلم ، أن يبوح بما يعلم و أن يكشف ما خفي من وقائع خلال عقود من النضال كان فيها في صدارة المشهد مشاركاً لا شاهداً فحسب .
كل هذه الأسماء التي طغت على سطح الأحداث كان يعرفها جيداً أسماء و تواريخ ..و مواقف ..
كل الوافدين من الخارج ممن صمخوا أذاننا ببطولاتهم و معاناتهم في الغربة و هم يناضلون لاسترداد ( حرية الوطن ) من ( النظام القمعي ) كان وحده – بعد رحيل صنوه فاضل المسعودي – من يعرف خباياهم ..
كل من صنع مجداً لتاريخه (الحافل بالبطولات) سنوات معارضته للنظام السابق لا يغيب عن ذهنه و إن كان لا يتفق معه في ما يدّعيه من أمجاد !!
الرجل يملك أسانيده، و ذاكرته لا تخذله ، و مواقفه لا تشينه، و سمعته محل إعجاب الجميع و تقدير كل من عرفه حتى أعدائه.
عندما نجحوا في اقتلاع النظام السابق و دان لهم المُلك ، حاولوا إستمالته و شراء صمته ، لكنه اعلن رفضه لما حدث!
لا.. لم يكن مناصراً للنظام السابق بل كان أعتى خصومه ، و لكنه كان يؤمن بأن إزاحة النظام يجب أن تكون بأيدي وطنية صرفة ، أن تكون نهايته على ايدي أبنائه لا ان تكون بأيدي أجنبية !
كان يرفض الاستقواء بالأجنبي لان ذلك يؤدي الى ارتهان الوطن للغريب و عودة الاستعمار متستراً على نحو ما !
هذا هو الفارق بين من هاجسه الوطن و رفعته وبين من يحلم باكتناز خيراته و اغتنام ثرواته !!
لهذا كان رفضه المشاركة ، و لهذا اقتعد مكانه جانبا بعيدا عن المشهد و ان كان متابعاً موجوعاً بأحداثه..
وهنا يجب أن يخرج عن صمته و يتكلم ليفضح اباطيل الدعاة و ينشر غسيل المؤامرة حتى يستبين الحق من الباطل .
من حقنا عليه ان يتكلم …
من حق الوطن ان ينطق …
من حق الحق ان يشهد بما رأى و بما سمع فهي شهادة لله و التاريخ و الوطن .
و الله من وراء القصد .














