رسالة من صنع الله إبراهيم

رسالة من صنع الله إبراهيم

محمد خلفوف

لازلت أتذكر ذلك اليوم ، عندما كنت طالبا في السنة الثانية في كلية الآداب ، ذهبت إلى الجامعة لأجل الامتحان ، لكنني وجدت المظاهرات تعم الجامعة ، التقيت أحد الأصدقاء فقال لي أن هنالك مقاطعة للامتحانات… كان ذلك أحد الأيام القائظة لشهر يناير ، لا فائدة من البقاء في الكلية تحت الشمس ووسط ضجيج الطلبة المتظاهرين… ودعت صديقي وعدت إلى المنزل. وجدت أمي قد عادت من المستشفى خائبة كعادتها كلما ذهبت إلى هناك… أخبرتها أن هناك مظاهرات وأنه لا امتحانات ، غرفت من طنجرة المعكرونة بالصلصة طبقا كبيرا ، وجلست آكل بشهية بالغة سعيدا بمقاطعة الامتحانات… ومع آخر لقطمة في الطبق وصلني إشعار على الهاتف ، أخرجته من جيبي ، أشعلته… سقطت الشوكة من يدي محدثة رنينا على الصحن.. شهقت من الصدمة والفرح ، رسالة من صنع الله إبراهيم

كنت قبل ذلك قد كتبت رسالة على الايميل إلى الروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم ، أتحدث فيها عن إعجابي بنصوصه وبسيرته الروائية ، وعن تأثير روايته علي خصوصا رواية اللجنة التي قررت بعد الانتهاء من قراءتها أن أصبح كاتباً وأن أتخلى عن دراسة القانون للتفرغ للكتابة والأدب… وارفقت مع الرسالة بعضا من قصصي التي لم تكن قد نشرت بعد… كتبت تلك الرسالة بحب بالغ ، لكاتب كبير أقدره وأحبه ، وأقرأ نصوصه بشغف بالغ ، بل كنت كلما عثرت على نسخة ورقية منها -بعد مسيرة من القراءة الالكترونيه – دون تردد كأنني عثرت على كنز كبير… لم اتوقع أن صنع الله إبراهيم ، واحد من أهم الروائيين العرب ، واكثرهم شغبا سيجيب على ايميلي الطفولي ، لكنه أجابني… شكرني على الرسالة ، وعلى تقديري له ، وحدثني عن محبته للمغرب وكتابه ، والأجمل من ذلك أنه قرأ قصصي ، وأشاد بها ، وعلى رأسها قصتي “الهم” القصة التي لا أحبها كثيرا ، والتي افتخر بها فقط لأن صنع الله إبراهيم بجلالة قدره قد أشاد بها

ظلت هذه الرسالة واحدة من أجمل الأشياء التي حصلت لي طوال مسيرتي الأدبية ، خصوصا ككاتب ناشئ يبحث عن التقدير ، ثم يأتيه التقدير من واحد من أعظم كتاب مصر والعالم العربي… إذ ستحصل معجزة ، وتنشر نصوصي القصصية تباعاً ، بعد رفض طويل ، كأنها كانت تنتظر قراءه صنع الله المباركة كي تنشر… للأسف ضاعت مني رساله العم صنع الله بعد ضياع ايميلي الأول الذي أرسلتها منه ، وقد رغبت بشدة أن أنشرها ككلمة على غلاف مجموعتي القصصية الأولى، التي كانت ستصدر عن دار النشر التي يملكها … لكن لم يحدث نصيب.

يبقى صنع الله إبراهيم واحدا من أهم الكتاب الذين قرأت لهم في حياتي ، والذي عرفته عن طريق مسلسل ذات ، المأخوذ عن رواية له بنفس الإسم… مرورا ب”اللجنة” و “شرف” ، “بيروت بيروت” “أمريكانيلي” ” التلصص ” ” تلك الرائحة ” “نجمة أغسطس” … صنع الله إبراهيم صاحب المشوار الروائي المرموق ، والأهم في العالم العربي… مشوار من النبل والدعم للقضايا الإنسانية والوطنية والدولية… الزاهد في الحياة والشهرة ، على حساب الكتابة ، الكتابة التي بلا تكلف أو بهرجة أو بهارات تجارية ومحابات الأنظمة و السلط… والذي أعده واحداً من أحق كتابنا العرب بجائزة نوبل للأداب

علمت مؤخرا بالوعكة الصحية التي ألمت بالعم صنع الله ، وقرأت منشورات الكتاب والمثقفين حول وضعه الصحي ، وحاجته لنقل الدم ، والتي تمنيت لو بعد المسافة بين المغرب والقاهرة ، لتبرعت له بدمي ، إذ يكفيني شرف أن يجري دمي في دم كاتب عظيم مثل صنع الله إبراهيم

لا زالت رسالة صنع الله إبراهيم لي أجمل ما حدث معي طوال مشواري الأدبي ، ولا زلت مفتخرا أن صنع الله إبراهيم أعجبته قصصي ، ولا زلت كلما ضاقت بي الدنيا أقرأ له ولإبراهيم أصلان… أستاذاي المصريين الأولين في عالم الكتابة… أقرأ أدب صنع الله إبراهيم السياسي رغم كراهيتي المطلقة للأدب السياسي والمغلف بالأيديولوجية … ولا زلت كلما ذهبت إلى المكتبة العامة أتأمل كتب صنع الله إبراهيم المصفوفة جنبا إلى جنب… ولازلت اتمنى أن أقابله ذات يوم في القاهرة ، إذ ستكون أول ما أفعله إذا زرت أرض الفراعنة

بالشفاء العاجل للكاتب الكبير صنع الله إبراهيم… الرجل الذي عملني الإخلاص للكتابة…

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :