اختتام مهرجان الجم للموسيقى السمفونية :وداعٌ بالألوان والأوتار يخلّد في الذاكرة

اختتام مهرجان الجم للموسيقى السمفونية :وداعٌ بالألوان والأوتار يخلّد في الذاكرة

تونس : نيفين الهوني : الجم خاص فسانيا  

على ضفاف التاريخ، حيث يحتضن المسرح الروماني أصداء حضارات مضت، تنبض أوتار السمفونية بكل ما في الفن من عاطفة وسحر، لتتحول الجم صيف كل عام إلى قلب نابض بالموسيقى السمفونية والروح الملائكية حيث اختتم مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية في دورته ال38 وهو ليس مجرد حدث ثقافي؛ بل هو معبد تمارس الأحاسيس والمشاعر فيه طقوسها الروحانية  حين يلتقي الشرق بالغرب، ويتداخل الماضي مع الحاضر، لتُعزف المعزوفات وكأنها رسالة من الزمن، من الحجارة إلى القلوب، من التاريخ إلى اللحظة الحية. و تتحول كل نغمة إلى جسر بين العوالم، وكل إيقاع إلى حوار بين الإنسان والفن ويواصل المهرجان تأكيده كل عام على إلتزامه بمواصلة  دوره في استمرار التلاقح الفني بين تونس والعالم في فضاء أثري فريد  حيث اختتمت فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين من مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية على مسرح الجم العريق، في سهرة جمعت بين الفن والمشاعر، وأكدت على عمق الروابط الثقافية بين تونس والنمسا.افتتح حفل الاختتام بحضور دبلوماسي رفيع المستوى بعزف النشيدين الوطنيين لتونس والنمسا، في لحظة رمزية جسدت انطلاق حوار فني–ثقافي ، ما أضفى على الليلة طابعًا رسميًا وأنيقًا في الوقت ذاته وعلى وقع السمفونية الثامنة غير المكتملة لشوبرت، اجتذب الكمان المتقد لعازف الكمان العالمي يوري رفيتش انتباه الحضور، مستعرضًا مهاراته الفائقة بتناغم كامل مع الأوركسترا السمفونية التونسية بقيادة المايسترو شادي قرفي، في أداء أحيى شغف الموسيقى لدى جمهور جاء متحمسا وصار متفاعلا وغادر منتشيا .وتوالت المفاجآت الموسيقية في كونشيرتو الكمان رقم 2 لباغانيني، حيث قدم رفيتش أداءً متقنًا يجمع بين القوة والدقة، وأضفى بصمة فنية خاصة على السهرة، لتتوالى بعد ذلك اللحظات العاطفية مع العرض الخاص Awakening، الذي جمع بين التجربة الفنية والشخصية، مودعًا الجمهور بأنغام مشحونة بالحب والإلهام. وشهدت سهرة الختام حضورًا مكثفًا من محبي الموسيقى والفنون، مع تغطية إعلامية متميزة، وأكد الحفل نجاح المهرجان في الجمع بين الأصالة المحلية والفن العالمي، مع تنظيم سلس وأداء متقن، جعل الحاضرين يغادرون القاعة حاملين ذكريات موسيقية لا تُنسى، ومشاعر امتنان للجهود المبذولة في إثراء المشهد الثقافي في تونس.. حيث ضمت فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين حوالي 11 سهرة موسيقية تؤثثها فرق تونسية وعربية وأوروبية وكندية والافتتاح بأوركسترا حجرة فلورنسا الإيطالية

أما العروض فكانت على النحو التالي:

العروض التونسية

“Les Étoiles Symphoniques: 24 Parfums de” بقيادة محمد علي كمون

“ليالي القادة” بمشاركة قادة أوركسترا من تونس والعالم العربي.

مساء تونسي أوبرالي مع حسان الدوس وأوركسترا المنار.

عرض الأوركسترا السمفونية بقرطاج.

أما العروض الدولية فهي :

أوركسترا والونيا البلجيكية بعنوان “Alors on danse!”

أوركسترا مدريد بعرض مستوحى من الموروث الإسباني .

الأوركسترا النمساوية تقدم “أجمل فالس فيينا”.

مشاركة الأوركسترا السمفونية لأوبرا الجزائر بقيادة لطفي سعيدي.

عرض من كندا بعنوان “Chorale Oriental Heritage Choir” .

واختتم  المهرجان بعرض سمفوني لأستاذ الكمان العالمي يوري روفيتش مع الأوركسترا السمفونية التونسية

الحفل الافتتاحي الايطالي امتزاج الأصالة بالتجديد في لوحة صوتية متكاملة

والذي أنطلق حفل افتتاحه ، بأجواء إيطالية بامتياز، و اعتلت خشبة المسرح أوركسترا حجرة فلورنسا بقيادة المايسترو جوزيبي لانزيتا، وبمشاركة السوبرانو إيفلين سافيدرا والتيور أنطونيو ساليس، إلى جانب عازف البيانو فرناندو دياز وعازف الترومبيت مارسيلو نيزي. وضم البرنامج الذي كان تحية كبرى للإبداع الإيطالي في الموسيقى الكلاسيكية والسينمائية والشعبية حيث تنوع بين: الكلاسيكي الأوبرالي (بوتشيني)، والسينمائي الإيطالي (مورّيكُوني وروتا )والتراث الشعبي (الأغاني النابولية). ، ومعزوفات شهيرة مثل: الموسيقى السينمائية الإيطالية: الحياة جميلة (نيكولا بيوفاني) وأنت وأنا (إينيو مورّيكُوني) والمواجهة الثلاثية (من فيلم “الطيب، الشرير والقبيح”) والخليفة (مورّيكُوني)و سينما باراديسو (مورّيكُوني) وعازف البيانو على المحيط (مورّيكُوني) والمتتالية الغربية (مورّيكُوني) والأوبرا الإيطالية (بوتشيني) وانسجام خفي (من أوبرا توسكا) وعشتُ للفن (من توسكا)  ويا لها من يد باردة (من لا بوهيم) وينادونني ميمي (من لا بوهيم) ولن ينام أحد (من توراندوت) وموسيقى نينو روتا: و (العرّاب ) الموسيقى الشهيرة من الفيلم) رقصات من فيلم (الفهد) وتحية إلى فيديريكو فلليني (المخرج الإيطالي الشهير) و (قطع شعبية وخالدة) وفونيكولي فونكولا (أغنية نابولية تقليدية تعود للقرن 19) يا شمسي (أشهر أغنية نابولية على الإطلاق) وطريقي (الأغنية العالمية الشهيرة، كلمات بول أنكا وأداها فرانك سيناترا) وقد  تأسّست أوركسترا حجرة فلورنسا عام 1981 على يد جوزيبي لانزيتا ذاته، وتهدف منذ تأسيسها إلى نشر الموسيقى السيمفونية وموسيقى الحجرة واختتم الحفل الذي رقصت الفالس على أنغامه ثنائيات عائلية أجنبية حضرت خصيصا من بلادها لتشارك جوقة الحضور احتفائها  باللمسات الاحتفالية عبر مقطوعات خالدة حيث كان حفل الافتتاح بمثابة جسر موسيقي بين الكلاسيكي والأوبرالي والسينمائي والشعبي ، منح الجمهور رحلة فنية إيطالية استثنائية داخل أروقة المسرح الروماني المهيب

اوكسترا قرطاج السمفونية جسر الأصالة التونسية إلى العالمية الموسيقية

وفي موعد ابداعي متميز لجمهور الجم إلتقى فيه الأوركسترا السمفونية بقرطاج في إحدى سهرات المهرجان الرائقة والراقية  ، حيث أبدعت في تقديم برنامج متنوع جمع بين المعزوفات العالمية والتونسية. فالحفل انطلق بمعزوفات كلاسيكية أوروبية، قبل أن ينتقل إلى أعمال تونسية عريقة حملت بصمة الهوية المحلية. وتميزت السهرة بمشاركة فنانين تونسيين في الغناء، حيث قُدمت قطع أوبرالية وأغانٍ من التراث التونسي بتوزيع سمفوني معاصر، مما أضفى على الأمسية نكهة فنية أصيلة جمعت بين التراث والتاريخ بتوزيع يعاصر ويواكب التطور العالمي للموسيقى شارك فيه حوالي 158 موسيقيًا وكوراليًا 65 عازفًا و93 منشدًا عزوفوا وأنشدوا  مقطوعات كلاسيكية: “أوراق المساء”) لـ يوهان أوفتنباخ و”غابة السلام لـ جان فيليب رامو و”كونشرتو فيولونسيل في مقام مي ماجور لإدوارد إلجار، بمشاركة العازف المنفرد وسيم مقني و”رقصة الفرسان” لسيرجي بروكوفييف و”صياد الجنود” + فالس وكورال من أعمال شارل قونو و”الحركة الأولى من “السيمفونية الإسبانية” لإدوارد لالو، مع سهى مقني كعازفة منفردة على الكمان ومقطوعات معاصرة ووطنية أخرى هي : “قرطاج تلتقي بلغراد” و”طواحين قلبي” لـ مايكل ليغران و”أنا قلبي دليلي” لمحمد قصبجي وأخيرا “موطني” لمحمد فليفل، في توزيع خاص بالأوركسترا مع الكورال وقد تفاعل الجمهور وتناغم وتماهى مع هذه التجربة التي أكدت قدرة الأوركسترا السمفونية بقرطاج على أن تكون جسراً بين العالمية والجذور التونسية، لتساهم بدورها في تثمين الموروث الموسيقي الوطني ضمن إطار سمفوني راقٍ.

مسرح الجم حيث ينبض الحجر بقلب من تاريخ وشواهد

يقف مسرح الجم شامخًا في مدينة الجم التونسية، كأحد أبرز المعالم الرومانية القديمة وأكثرها حفظًا في العالم. بُني بين القرن الأول والثاني الميلادي، وسُمي آنذاك بـ”ثاموغادي”، ليكون مركزًا للعروض المسرحية والاحتفالات الرسمية، حيث اجتمعت المدينة بأسرها لمتابعة الفنون والطقوس الاجتماعية. ويتميز المسرح بتصميم هرمي يضمن رؤية كاملة لكل الحضور، مع مداخل قوسية وساحة عرض مستديرة تُبرز عراقة العمارة الرومانية الكلاسيكية. بعد قرون من الإهمال، عادت الحياة إلى المكان في القرن العشرين، ليصبح منصة للمهرجانات الموسيقية والفنية، وأبرزها مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية، الذي حول المسرح إلى مساحة يلتقي فيها التراث العريق بالفن المعاصر.ومن المعروف أن المهرجان يُقام كلّ صيف منذ عام 1985 في المسرح الروماني بمدينة الجم بولاية المهدية، ويُعد ثالث أكبر مدرج روماني في العالم بعد الكولوسيوم في روما وكابو  ويحتضن المسرح موقعًا أثريًا رائعًا بقدرة استيعابية تصل إلى 30 ألف متفرّج، وتجري عروض موسيقية تتراوح بين السيمفونية وموسيقى الحجرة والغوسبل  اليوم، لا يقتصر سحر المسرح على جدرانه الحجرية وحجمه الضخم، بل يمتد إلى تجربة حضور العروض، حيث يشعر الجمهور وكأن كل نغمة موسيقية تصدح داخل صروح التاريخ، وتجعل من كل سهرة رحلة بين الماضي والحاضر، بين الأصالة والابتكار الفني.

الجم أبرز المواعيد الفنية العربية والمتوسطية في العالم

بين الأوبرا العالمية الكلاسيكية والهوية التونسية السمفونية عاش جمهور الجم صيفاً استثنائياً تناغمت فيه الأوتار مع أصداء التاريخ في لتتحول الموسيقى إلى لغة تتجاوز الكلمات، وتشهد على قدرة الفن على التوحيد والإلهام  حضرة المسرح الروماني الخالد ولازال  مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية يثبت كل عام  أنه ليس مجرد فضاء للعرض، بل منصة للحوار بين الثقافات الموسيقية، وملتقى للفنانين من الشرق والغرب. من خلال برمجة متوازنة تجمع بين كبار العازفين والأصوات الأوبرالية والأوركسترا العالمية والتونسية اعاد  رسم الجسور بين الكلاسيكيات العالمية والهوية التونسية في أبهى تجلياتها، كما واصل المهرجان ترسيخ مكانته كأحد أبرز المواعيد الفنية في العالم العربي والمتوسطي.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :