____محمود السوكني_____
تعرف البلدان براياتها قبل أسمائها ، إذ تمثل راية الوطن إسمه وهويته والتعريف به فهي أشهر من نشيده ، وأوضح من خريطته ، هي العلم الذي لا يشاركها فيه احد ، يرفرف أينما حل ذكرها تأكيداً على وجودها وإعلاناً عن حضور من يمثلها على نحو ما .
على كل المواقع الرسمية والعامة ترتفع رايات العلم خفاقة ، وأينما كان لدولة ما حضور يسبقها على طاولة المفاوضات وعلى سواري المطارات يعلن عن تواجد من ينتسب إليها ويحظى بشرف تمثيلها ، حتى الفنادق والنزل باتت تقيم للأعلام وزناً في سعيها لجذب الزبائن فتراها تتنافس على رفعها أمام واجهاتها وفوق اسطحها وداخل صالات الإستقبال ، وهي لا ترفع أعلام كافة الدول بل تختار أعلام الدول التي لها وزنها والتي يتمكن مواطنيها من السفر والتجوال في بلاد الله الواسعة ممن لهم القدرة على تحمل نفقات الصرف وهو ما لا ينطبق على كل الدول بالطبع .
قد لا تنحني هامات القادة والزعماء عند الشدائد والأزمات والمحن لكنها تطأطيء رؤوسها إحتراماً وتقديراً أمام راية الوطن ، وكذلك أمام رايات الدول التي يزورونها عند إستعراض حرس الشرف الذي يكون في إستقبالهم .
في طابور الصباح في المؤسسات التعليمية يستمع الطلبة إلى عزف النشيد الوطني وما يعقبه من إرشادات ومواعظ وتعليمات فيما أبصارهم شاخصة بخشوع صوب الراية وهي تحلق عالياً في شموخ وكبرياء إعتزازاً برمز الوطن الذي تشرئب نحوه الأعناق وتهفو لخفقانه القلوب .
في المحافل الدولية وفي اللقاءات التنافسية رياضية كانت أم ثقافية أو إجتماعية تسبق الرايات المنتصبة في كل مكان الحضور لتعلن عن هوية المشاركين .
عندما وطئت قدم أول زائر للقمر كان أول فعل حرص على القيام به أن غرس علم بلاده على سطح القمر ، وفي الحروب والغزوات تنصب الراية إعلاناً عن ضم هذا الجزء من الأرض أو ذاك تأكيداً على وضع اليد إستعماراً أو إفتكاكاً بغض النظر عن مشروعيته من عدمه !
وللراية شروط محددة وملزمة تصدر بنودها بقانون يصدر عن جهة تشريعية مخولة بذلك ، تحدد أطوالها واحجامها وشكل ألوانها وأي تغيير أو إخلال بالمقاسات والأشكال الموضوعة يلغيها وقد يتسبب في إحراج سياسي بين الدول لا ينتهي سوى بالإعتذار وابداء الأسف عن الخطأ الغير مقصود.
هذا مايحدث في العلاقات الدولية وطرق تسوية الأمر بالطرق والوسائل الدبلوماسية ، فماذا عن من يسيء للراية داخل الوطن ؟! كيف يكون القصاص من المواطنين / الجناة الذين يجب أن يكونوا أكثر البشر إحتراماً لراية بلادهم ، وأكثر الناس صوناً لها وحفاظاً عليها من العبث والإهمال الذي يشوه ملامحها ويسقط شروط إعلائها ؟!
هنا تكون الجنحة جناية والخطيئة جرم والإساءة بليغة فمن لا يحترم علم بلاده لا موجب لإحترامه في شخصه بل يجوز إسقاطه من حساب الوطن .
إنني أدعو كل غيور على هذا الرمز ، مُحِباً لهذا الوطن أن يكون رقيباً على سلامة هذا العلم وإن يتابع بعينيه أينما حلّ في حله وترحاله ليسجل أي مساس براية الوطن ويشهد كم العبث الذي يلحق بها أينما وجدت ، فبعضها ضاعت ألوانها والبعض الآخر اهترأت وتمزقت وأضحت نسياً حتى ممن نصبها منذ أشهر أو بعض سنين !!
نحن مطالبون بالإلتفات إلى ما أصاب علم بلادنا وملزمون قبل غيرنا بالإلتزام بشروطه والوعي بدلالاته فلا يعقل أن نقيم الدنيا ولا نقعدها إذا ما أخطأ الآخرون ولم يلتزموا بشكل واطوال رايتنا فيما نغض الطرف عن إستخفافنا بها في الداخل وإهمالنا لها على هذا النحو الفج . هذه الراية التي إلتصقت بإسم الوطن ، وتُعرّف بنا ، يجب أن تنال ماتستحق من الإهتمام مادامت تمثلنا .














