بين نص ديني واضح وسلطة العادات الصامتة… حكايات تدُفن داخل البيوت
تحقيق : بيّه خويطر .
هذه القصة لا تتهم المجتمع الليبي ككل، ولا تعمّم سلوكا بعينه، بل تسلط الضوء على ممارسات تمارسها فئة محددة من العائلات في الخفاء، باعتبارها شأنا عائليا محاطا بالصمت والخوف من الوصم الاجتماعي. في المقابل ،يقف القانون الليبي والشريعة الإسلامية بوضوح إلى جانب حق المرأة في الميراث، ويجرّمان حرمانها منه أو الضغط عليها للتنازل عنه. ما يُروى هنا هو شهادة إنسانية لامرأة دفعت ثمن مطالبتها بحقها الشرعي غاليا، ليس فقط بخسارة الميراث، بل بخسارة العائلة والمأوى والسند.

قضايا حرمان النساء من الميراث لا تنُاقش غالبا باعتبارها انتهاكا صريحا لنص ديني قطعي أو تجاوزا للقانون بل تغلف بخطاب اجتماعي ناعم يبدو في ظاهره حريصا على تماسك العائلة لكنه في جوهره يكرس اختلالا عميقا في ميزان العدالة.
حفاظًا على سلامة المصدر وحماية لها من أي تبعات اجتماعية أو عائلية تم استخدام اسم مستعار في هذه القصة.
عندما تصبح المطالبة بالحقوق تهمة
في بيوت كثيرة لا يُسلب حق المرأة دفعة واحدة بل يُنتزع منها تدريجيا بالصمت وبالخوف وبجملة دائما تتكرر حتى تصبح قانونا غير مكتوب هذا عرف العائلة
وفي مجتمع يقدس التماسك الأسري ظاهريا قد تتحول المرأة التي تطالب بحقها الشرعي إلى مصدر تهديد وإلى وصمة وعار يجب إسكاته بأي ثمن.
المجتمع الذي يفُترض أن يكون فيه البيت ملاذا آمنا ، تتحول بعض البيوت إلى ساحات صامتة لاقتلاع الحقوق.
لا ترفع الأصوات ولا تسفك الدماء لكن ما يُنتزع هناك أعمق من ذلك الكرامة والحق والانتهاء.
في قضايا الميراث، لا تحُرم النساء دائمًا بالقوة المباشرة بل عبر شبكة خفية من الضغط النفسي والابتزاز العاطفي والخوف من القطيعة والوصم.
يُقال لهن إن المطالبة بالحق تخريب للعائلة وإن الصمت حكمة وإن التنازل ستر بينما الحقيقة أن الصمت يصبح سكينا بطيئا والتنازل يكتب بإسم العرف لا بإسم الشرع .
المفارقة القاسية أن النص الديني في الميراث واضح لا يحتمل التأويل وأن القانون الليبي يكفل حق المرأة صراحة ، ومع ذلك تخُتصر هذه الحقوق داخل بعض البيوت في جملة واحدة هكذا وجدنا آباءنا
وحين تجرؤ امرأة على كسر هذا الصمت لا تستقبل بصفتها صاحبة حق بل تجرد من إنسانيتها وتوُسم بالعار وتقدم كخطر يهدد تماسك العائلة.

الشيخ محمد
فالمجتمع في كثير من الحالات لا يسأل لماذا حُرمت بل يسأل لماذا تكلمت؟
هذه ليست قصة ميراث فحسب بل قصة امرأة دفعت ثمن السؤال وثمن الرفض وثمن الوقوف في مواجهة منظومة تفضل الذكور وتقُصي الإناث باسم الاستقرار الأسري.
هذه قصة فاطمة امرأة خسرت حقها، ثم خسرت عائلتها، لتبقى وحدها شاهدة على ظلم يُمارس في الخفاء، ويُبرز في العلن.
أسرة واحدة وميزان مائل منذ البداية.
فاطمة الأخت الثالثة من أربع شقيقات وثلاثة إخوة نشأت في أسرة كانت تبدو من الخارج مترابطة، يجمع أفرادها بيت واحد وذكريات مشتركة وأحاديث يومية توحي بالدفء العائلي. لكن هذا التماسك كما تقول كان يخفي داخله ميزانا مختلا ، يميل بصمت لصالح الذكور منذ السنوات الأولى.
تسترجع فاطمة طفولتها وتوضح أن التمييز لم يكن صريحا، بل متسللا في التفاصيل الصغيرة من يملك القرار ومن يسمع صوته، ومن يغفر له الخطأ، ومن يطلب منه دائمًا التحمّل .
وتضيف لم يكن هذا الإحساس بالغبن واضحا في حينه فقد كانت العائلة متماسكة ظاهريا لكن ذلك الشعور ظل مؤجلا إلى أن جاء اليوم الذي سقطت فيه الأقنعة وتحول التفضيل الصامت إلى إقصاء معلن عنوانه الميراث.
قرار الإقصاء: بيع البيت وتقسيم الإقامة بدل الحق.
بعد سنوات طويلة من وفاة والدها فوجئت فاطمة بأن إخوتها الذكور قرروا بيع منزل العائلة البيت الذي نشأت فيه والذي كانت تعتبره آخر ما يربطها بوالدها وطفولتها.
وأوضحت أن القرار لم يُطرح للنقاش بل قُدم كأمر واقع رافقته مطالبة واضحة بأن تتنازل هي وشقيقاتها عن أي حق في الميراث .

عقيلة المحجوب
وتضيف فاطمة أن إخوتها عرضوا عليها حلاً بديلا بدا في ظاهره رحيما، لكنه في جوهره كان إقصاءً مقنّعا، إذ اقترحوا عليها باعتبارها غير متزوجة أن تنتقل بعد بيع المنزل للإقامة أسبوعيا في بيت أحد إخوتها، فتقضي أسبوعا هنا وآخر هناك دون بيت ثابت ودون خصوصية ودون إحساس بالأمان.
لم ترفض فاطمة فكرة البقاء قريبة من عائلتها لكنها اقترحت حلا بسيطًا يحفظ كرامتها وهو بناء استوديو صغير بجانب أحد بيوت إخوتها، مساحة مستقلة تؤويها وتحفظ لها حدا أدنى من الاستقرار .
غير أن الاقتراح قوبل بالرفض القاطع، بحجة أنه تبذير أموال ولأنها كما قيل لها صراحة غير متزوجة ولا تحتاج بيتا خاصا.
تنازل تحت الضغط و الذهب بدل الحق.
أمام هذا الواقع وجدت شقيقات فاطمة المتزوجات أنفسهن محاصرات بالخوف خوف من الوصم الاجتماعي ومن تحميلهن مسؤولية تفكيك العائلة ، ومن الدخول في صراع طويل لا يملكن أدواته.
وأوضحت فاطمة أن شقيقاتها اضطررن للتنازل عن حقهن ليس عن قناعة بل هربا من المواجهة ومن نظرة مجتمع لا يرحم المرأة التي تطالب بحقها داخل أسرتها .
وأضافت أن هذا التنازل لم يكن مجانيا بل جرى تسكيت الأخوات بقطع ذهب صغيرة قدمت كحل وسط لا يعوض شيئا من قيمة الميراث لكنه كان كافيا لإغلاق الملف اجتماعيا وإسكات أي اعتراض محتمل.
“كان الثمن هو الصمت… لا
التنازل القسري: حق سُلب بالقوة.
على عكس شقيقاتها رفضت فاطمة هذا الترتيب منذ البداية مؤكدة أنها لا تطالب سوى بحقها الشرعي والقانوني.
لكنها كما تقول لم تقُابل بصفتها صاحبة حق بل كعنصر مقلق داخل العائلة.
ومع تصاعد التوتر بدأت الاتهامات تتخذ طابعا أخلاقيًا ووصمت بأنها جلبت العار لمجرد أنها تكلمت ورفضت التنازل.
ومع استمرار الضغط والتهديد غير المباشر أوضحت فاطمة أن إخوتها لم يتركوا لها خيارا حقيقيا إذ وضعت أمام واقع قاسٍ إما التنازل أو البقاء بلا بيت ولا سند ومع تصاعد التوتر مُنعت فعليا من الاستقرار في منزل العائلة وتعرضت لضغوط نفسية متواصلة وتهديدات غير معلنة جعلتها تشعر بأنها محاصرة داخل أسرتها نفسها.
وتضيف وهي تسترجع تلك المرحلة، إلى أن هذا التنازل فرض عليها تحت وطأة الخوف والعزلة في ظل غياب أي حماية اجتماعية أو عائلية، لتصبح، بعد لحظات قليلة امرأة بلا حق وبلا مأوى قبل أن تجد نفسها مضطرة بعد ذلك إلى اللجوء للقضاء رغم إدراكها أن إثبات الإكراه داخل العائلة مهمة شبه مستحيلة.
القضاء والخسارة التي لم تنُصف الألم.
أمام انسداد كل الأبواب داخل العائلة قررت فاطمة اللجوء إلى القضا ء خطوة لم تكن سهلة ولا مأمونة العواقب خصوصا في محيط يرى في المرأة التي تطالب بحقها خارجة عن الصف وبمساندة أحد أخوالها الذي آمن بعدالة قضيتها وحقها الشرعي رفعت فاطمة دعوى قضائية ضد إخوتها لا بدافع الخصومة بل بحثاعن إنصاف لم تجده داخل البيت الذي نشأت فيه.
غير أن قرارها هذا قوبل داخل العائلة بنظرة قاسية إذ لم ترَ فاطمة كامرأة سُلب حقها وأجُبرت على التنازل بل وصمت بالمتمرّدة، واتهمت بأنها باعت إخوتها مقابل تركة غير كبيرة في تناقض صارخ كما تقول مع الواقع الذي تجاهل أن إخوتها هم من شرّدوها وأقصوها من بيت والدها بسبب تلك التركة نفسها .
وفي أروقة المحكمة خسرت فاطمة الدعوى لا لأن حقها غير ثابت بل لأنها لم تستطع إثبات ما لا يرى الخوف والتهديد والضغط النفسي والإكراه المعنوي الذي مورس عليها داخل أسرتها.
تجربة كشفت لها فجوة موجعة بين النص القانوني والواقع الاجتماعي حيث يطلب من المرأة أن تقدم أدلة على الألم بينما يُكافأ الصمت ويُنظر إلى الكلام على أنه خروج عن الطاعةلا مطالبة بحق.
وتقول فاطمة إن الخسارة لم تكن حكما قضائيا فحسب بل كانت لحظة إدراك قاسية بأن العدالة حين تصطدم بالأعراف تصبح معركة غير متكافئة تدُان فيها الضحية مرتين مرة حين تجبر على التنازل ومرة حين تحاول استرداد ما سلب منها.
القطيعة والمأوى المؤقت.
بعد انتهاء القضية دخلت فاطمة في قطيعة تامة مع إخوتها الذكور، لتغُلق بذلك صفحة العائلة كما عرفتها لسنوات طويلة .
وأوضحت أنها لم تخسر معركتها القانونية فقط بل خسرت بيت والدها وعلاقاتها العائلية والإحساس بالأمان الذي يفترض أن تمنحه الأسرة لأفرادها، فجأة وجدت نفسها بلا مأوى ولا سند لتستقر مؤقتا في منزل خالتها محاولة التكيّف مع واقع لم تختره، واقع أقصيت فيه لأنها طالبت بحقها .
وخلال حديثها كشفت فاطمة أن شقيقاتها رفضن الشهادة معها أمام المحكمة ليس إنكارا لما جرى بل خوفا من النظرة الاجتماعية وخشية من ردة فعل الإخوة الذكور وما قد يترتب عليها من قطيعة أو انتقام معنوي.
وتؤكد فاطمة أنها لا تلومهن بل ترى في موقفهن انعكاسا لواقع أوسع تجُبر فيه النساء على الصمت حفاظاعلى السلام العائلي حتى وإن كان ثمنه التخليّ عن الحق.
وتضيف، بصوت تختلط فيه المرارة بالوعي المشكلة “مش في أخواتي المشكلة في مجتمع يخوف المرأة من أخيها، ويحاسبها على الكلام مش على الظلم اللي تتعرض له”
بالنسبة لفاطمة لم تكن الخسارة فردية بل نتيجة مباشرة لمنظومة ذكورية تدين المرأة حين تطالب بحقها وتبرّئ من سلبها ذلك الحق باسم العائلة والعُرف.
الرأي القانوني: المستشار عقيلة المحجوب يوضح حقوق المرأة في الميراث.
القانون يحمي المرأة من الإكراه والوصم الاجتماعي
أكد المستشار القانوني عقيلة المحجوب أن أي إجبار للمرأة على التنازل عن حقها في الميراث يُعد تنازلا باطلا أمام المحاكم، خاصة إذا كان التنازل تحت تأثير القوة أو الضغط النفسي، موضحًا أن القانون الليبي لا يعترف بالعادات أو الأعراف الاجتماعية التي تحرم النساء من حقوقهن.
وأضاف أن القانون رقم 6 لسنة 1959 بشأن حماية حق المرأة في الميراث ينص صراحة على أن الميراث يجب أن يُقسم بحسب النصوص القانونية، دون أي استثناء للمرأة، وأن أي محاولة لإقصائها أو إجبارها على التنازل يمكن الطعن فيه قضائيا واستعادة الحق كاملا
وأشار المحجوب إلى أن الكثير من النساء تتردد في اللجوء إلى القضاء بسبب الضغوط الاجتماعية أو الخوف من وصم المجتمع، إلا أن الواقع القانوني مختلف تماما فالمحاكم تنصف المرأة وتعتبر أي ضغط أو تهديد سببا لإبطال التنازل، ويمكن للمرأة المطالبة بتعويض عن أي ضرر لحق بها نتيجة حرمانها من ميراثها. وأوضح أن تقسيم الميراث يكون بالتساوي حسب الحصص القانونية، فلا يجوز أن يُعوض حقها بمال أو قطعة صغيرة من الذهب مثلا أو أن يتخد أي قرار بتحديد ما تأخذ وما لا تأخذ بناء على العرف أو المزاج العائلي.
وشدد المحجوب على أهمية رفع الوعي المجتمعي بحقوق المرأة في الميراث، مؤكداً أن الثقافة المجتمعية التي تمنع النساء من المطالبة بحقوقهن يجب أن تتغير، وأن القانون موجود ويكفل لها حماية كاملة، لكنه يحتاج إلى أن تكون هناك إرادة للشكوى والمطالبة بالحق، معتبرًا أن هذا الموضوع يجب أن يكون حاضرا في البرامج التوعوية والإعلامية لدعم النساء وتشجيعهن على الدفاع عن حقوقهن.

عائشة بن يحمد
الميراث عبادة قبل أن يكون قسمة.
وفي ظل الممارسات المجتمعية التي تحرم بعض النساء من ميراثهن يؤكد الشيخ محمد أن الشرع الإسلامي لا يقبل أي اجتهاد أو عرف يغيّّر نصوص الميراث وأن أي تنازل تحت الضغط أو الخوف أو المجاملة باطل شرعا، وأن الساكت عن حقه ليس معصوما من الظلم
يقول الشيخ حرمان المرأة من ميراثها حرام شرعا وهو من كبائر الذنوب، لأنه تعدٍ على حكم الله ومخالفة نصوص القرآن الكريم، ويشير إلى أن أي مخالفة لهذه الفريضة تعد مصادمة لأمر الله، ولا يمكن لأي عرف أو عادة أن تحل محل النص الشرعي، لأن القاعدة تقول لا اجتهاد مع النص.
ويضيف ، حتى لو صمتت المرأة خوفًا أو حياء، فلا يبرّئ ذلك المعتدي، ولا يحُل الحرام، ولا يغيّر الحكم الشرعي ، العار الحقيقي ليس في مطالبة المرأة بحقها، بل في أكل هذا الحق وسلبه، ويشدد على أن أي تجاوز أو تحايل على الميراث، حتى لو تم بالتراضي، يعتبر معصية وجرما شرعيا موصوفا.
أما عن اللجوء للقضاء، فيوضح الشيخ محمد أنه ليس قطيعة للرحم أو مخالفة للدين، بل هو واجب لإحقاق الحق ورفع الظلم.
ويشدد على أن المرأة التي تدافع عن حقها الشرعي تعُتبر مطالِبة بحقها لا متعدية وأن مطالبة الحق واجب شرعي وليس سببا للعار أو الذنب.
وفي رسالته للعائلات والنساء الصامتات، يوجه الشيخ محمد تحذيرا صارما اتقوا الله في بناتكم وأخواتكم، الميراث عبادة قبل أن يكون قسمة، ومن ظلم امرأة اليوم سيقف غدا بين يدي الله فردا فالصمت أمام الظلم لا يبرر المعتدي، بل يثبّّت الظلم ويجعله عادة مرفوضة.
الميراث المسلوب: جريمة صامتة تهدم كرامة النساء وتفكك العائلات.
أما الأخصائية الاجتماعية والنفسية عايشة بن يحمد توضح أن حرمان المرأة من الميراث لا يتوقف عند كونه انتقاصا ماديا، بل يُعد صدمة نفسية واجتماعية عميقة، غالبا ما تترك آثا را طويلة الأمد لا ترُى بالعين، لكنها تعيش داخل المرأة لسنوات .
وتؤكد أن أخطر ما في هذا النوع من الظلم أنه يأتي من الدائرة الأقرب الأسرة التي يُفترض أن تكون مصدر الأمان والدعم فإذا بها تتحول إلى مصدر تهديد وضغط وإقصاء.

وتضيف بن يحمد أن المرأة التي تجُبر على التنازل عن حقها تعيش صراعا داخلي مركب بين الإحساس بالظلم والرغبة في الحفاظ على الروابط العائلية ، ما يولد شعورا دائما بالذنب وكأنها هي المخطئة لمجرد مطالبتها بحقها ومع تكرار الوصم الاجتماعي تتكرس لديها صورة سلبية عن الذات، فتفقد الثقة بنفسها وبالآخرين وتدخل في حالات من القلق المزمن والاكتئاب، وقد تصل في بعض الحالات إلى العزلة الاجتماعية التامة.
وتشير الأخصائية إلى أن المجتمع لا يكتفي بحرمان المرأة من الميراث بل يحمّلها تبعات المواجهة وحدها إذ توُصم بـالمتمردة أو مخربة الأسرة بينما يُبرَّأ المعتدون على حقها تحت غطاء العرف والتقاليد، هذا الانقلاب في ميزان القيم، بحسب بن يحمد، يُعيد إنتاج العنف الاجتماعي ضد النساء، ويُرسّخ ثقافة الصمت والخضوع خاصة لدى الفتيات الصغيرات اللواتي يكبرن وهن يشاهدن مصير من طالبت بحقها.
وتؤكد أن حرمان النساء من الميراث لا يدمر الأفراد فقط، بل يُفكك البنية الأسرية من الداخل، إذ يُنتج علاقات قائمة على القهر بدل المودة، وعلى الخوف بدل الثقة.
وتختم بقولها إن معالجة هذه الظاهرة لا تكون فقط بالقانون بل بخلق وعي اجتماعي جديد يعترف بأن العدالة داخل الأسرة ليست تهديدا لها بل الضمان الحقيقي لاستمرارها وأن إنصاف المرأة نفسيا واجتماعيا يبدأ بالاعتراف بأن ما تتعرض له ليس مشكلة عائلية ، بل ظلم له ثمن إنساني فادح.
حين يصبح الحق شجاعة
في نهاية هذه القصة لا تقدم فاطمة نفسها كضحية فقط بل كشاهدة على ظلم يمارس في الخفاء، ويُبرر بالصمت، ويحُمَّل للنساء وحدهنّ ثمنه.
تقول بصوت لم يعد يرتجف كما كان في البداية أنا خسرت حقي وخسرت بيتي وخسرت عائلتي لكنني لا أريد لامرأة أخرى أن تمر بنفس الطريق وتدفع نفس الثمن.
فاطمة اليوم تعيش على هامش أسرتها لكنها اختارت ألا تعيش على هامش الحقيقة تدرك أن العدالة قد تتأخر وأن المجتمع قد يقسو وأن القانون وحده لا يكفي ما لم يدعم بوعي وشجاعة لكنها تؤمن أن كسر الصمت هو الخطوة الأولى نحو إنصاف طال انتظاره.
هذه القصة لا تدُين العائلة الليبية ولا تخُاصم المجتمع لكنها تضع مرآة أمام ممارسات تنُاقض الدين والقانون والإنسانية وتطرح سؤالا لا يمكن الهروب منه كم فاطمة أخرى صمتت خوفًا؟ وكم حق ضاع لأن المطالبة به وُصمت بالعار؟
فالميراث ليس منّة، ولا العدل ترفا والسكوت عن الظلم لا يحفظ الأسرة بل يؤجل انفجارها.














