بقلم :: د :: عبد القادر الزروق
أعرفه من أيام الدراسة ، كان متواضعاً في تحصيله العلمي هادئ الطبع لا ينظر إلى علٍ ، كان دائماً مطأطئ الرأس من شدة خجله و إنكماشه على ذاته .. كان ناذر الكلام يترك للآخرين المجال في الحديث إلى النهاية ، و قد يكتفي ببسمة باهتة سوىٰ أختلف مع الآخرين أو أتفق معهم .. لم أره يوماً ضد أي فكرة أو رأي لأنه ببساطة لا رأي له .. لا مانع لديه في الموافقة على جميع الأراء و الأفكار و إن أختلفت و لكنه لا يجد لنفسه مكاناً في الصدارة و لا يجنح للمواجهة ..
لم يوفق في دراسته فترك مقاعد المدرسة مبكراً و أخد بالأسباب المتاحة .. تقاضىٰ مرتباً متواضعاً بالكاد يَضمن له معيشة مقبولة .. كان إنطوائياً منغلقاً على نفسه لا يُحبذ الإختلاط .. و فجأة لاحت في الأفق فرصة كونه مع الجميع و ضد الجميع حسب مصلحته الشخصية جداً ، لقد كان كالصفحة البيضاء يكتب عليها مَن يشاء ما يشاء ؛ و أستغل هذه الفرصة المشّاءؤن بنميم .. و الفرصة هي تكليفه بجمع المعلومات و تسقُّط الأخبار عن بني قريته الأقربين و سال لعابه أمام مغريات نعيم الدنيا .. و قبل صاحبنا العرض السمين و تفنن في مهمته الجديدة و أبدع في أدائها و أتقانها ، فنال رضىٰ رؤسائه الذين بالغوا في إكرامه بطريقة سخيّة ذرت عليه المعارف و الأرباح ، ففاحت عليه أثار النعمة من مزارع و شقق و سيارات فارهة و علاج بالخارج و هابته الجموع التي كانت تؤمن بِما ترىٰ لا بما تعتقد .. و أصبح هذا الخجول الطيب رقماً من الأرقام الأولية الصعبة لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو الواحد الصحيح ..
أصبح إسمه متداولاً في الأوساط المهمة و يُشار إليه بالبنان كواحدٍ من أهل الحل و العقد و مزاراً لطالبي الحاجة و متوددي السلطان و كُلٌ حسب وجاهته و أهميته و قيامه بما يُطلب منه ؛ فقضاء الحاجات مرهون بتنفيذ الطلبات .. و ما عليك إلا القبول أو مواجهة المجهول .. يا للهول .. الدول اليوم لها مراكز و أطراف و لكنها قد تُطرّف المراكز و تُمركز الأطراف و قد تأتي بعناصر مجهولة الهوية مضمونة الهوىٰ لتشغل المراكز بغض النظر عن الأوصاف .. لا تدرّج في الوظيفة فلا شئ يُضاف ، فالمسألة مسألة ولاءات لا كفاءات نظاف .. و لكن الأيام تدور و الزمن غدّار ؛ فالأيام خيلٌ مسرّجة يمتطيها مَن له السّبق و الزمن لا يحتويه الرّبق .. فسبحان مَن يُغَيِّر و لا يتغّير ..