تحقيق :: علي اسبيق
حين تنهار القيم الأخلاقية في مهنة هي أساس تقدم البلدان و حضارتها ( مهنة التعليم) تحدث الكارثة ويصبح فناء القيم و الإنسانية أمراً حتميا لا مناص منه،و لهذا أجرينا هذا التحقيق الصحفي في قضية مست الجسد الليبي وفضيحة اشترك بها الجميع حكومةً وشعباً : الوزير والمعلم والمدرسة والطالب والغفير ، اﻵباء والأمهات و كل أفراد المؤسسة التعليمية إلا من رحم ربي .. ألا وهي قضية الغش التي أصبحت بعد عام 2011 م أمراً عادياً ، وها قد مرت 7 سنوات من الغش جهاراً نهاراً دون رد فعل حقيقي لإصلاح هذا الحال .
طلاب لا تتجاوز أعمارهم التاسعة والعاشرة يمارسون الغش !
أهم أسباب انتشار الغش ضعف الواعز الديني و الأخلاقي للمعلمين و الطلبة.
لجان تسمح بدخول الأهل والأقارب والأصدقاء إلى قاعة اﻻمتحان
ولكن ماذا إذا ضرب هذا الشعب في أخلاقه وفي أهم عناصر نموه ، في شبابه وبناته بل حتى في أطفاله وشيوخه ؟
ألم يقل الشاعر : و إذا أصيب القوم في أخلاقهم / فأقم عليهم مأثماً و عويلاً !
إن استفحال ظاهرة الغش دفعتنا للتقصي و تناول عينات من المؤسسات التعليمية شملت عدة مدارس في ثلاث بلديات ( الأبرق _ القبة _ شحات ) كان من ضمنها ستة مدارس ثانوية وثلاثة مدارس إعدادية وإدارتا مدرستين ابتدائيتين. في هذه البلديات الثلاث تعددت طرق الغش في امتحانات المدارس الثانوية حسب قوة اللجان التي تراقب الامتحانات، و من ضمن هذه اللجان كانت لجنة تجلب معلمين لحل أسئلة كل مادة ، وتقوم بإملاء الإجابات على الطلاب دون ضمير في انتهاك واضح لقداسة مهنة المعلم كمرب للأجيال.
و أربع لجان تسمح بدخول الأهل والأقارب والأصدقاء إلى قاعة الامتحان ، بينما لجنتان كانتا تسمحان للطالب بجلب الغش وجلب الهواتف وكتب المنهج فقط !
أما المشكلة الأعظم فهي ما يحدث في المدارس الابتدائية : حيث صرح بعض الأعضاء في إداراتي مدرستين ابتدائيتين أنهم ضبطوا طلابا صغاراً يستخدمون الغش ، و تواردت الشكاوى من التلاميذ بشأن بعض المعلمات اللواتي غششن لطلاب بعينهم .
يقول الأستاذ أنيس عبد الرحمن وهو مدير لإحدى المدارس الابتدائية : ( إن الكارثة التي وقعت في امتحانات المرحلة الابتدائية في مدرستي هي جلب بعض التلاميذ الصغار غشا معهم ، أتصدق أن طلابا لا يتجاوزون التاسعة والعاشرة يمتلكون هذه الثقافة الفاسدة )
الغش شرعية أم الجرم من وجهة نظر الطلاب ؟
ولكن من جهة أخرى كيف يرى الطلاب أمر السماح لهم بالغش ؟ وما شعورهم اتجاهه ؟ في زيارتي لهذه المدارس تحدثت ل 37 طالبا من طلاب الثانوية وزرت 20 طالبا من طلاب الإعدادية الذين أعرفهم معرفة خاصة مستفهماً عن ذلك .
و تباينت حصيلة الردود إذ كانت إجابات 30 من طلاب الثانوية سلبية جدا حيث ارتأوا أن هذا الغش حقهم ويجب أن ينجحوا بأي وسيلة وأنهم ممتنون لمن ساعدهم على حد قولهم ( جميل فوق رؤوسهم )
والغش كان في جلّ المواد وعلى عينك يا تاجر !
فطالب الثانوية يونس عون يرى (أن هذه مساعدة وليست بغش أبداً وشكراً لكل من ساعدنا ) ، و علقت الطالبة سوزان رزق (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) ..و رد الطالب عبدربه صالح (أهم حاجة ننجحوا وبعدها انخشوا عسكرية ) . وبرر الطالب سعد رجب اللجوء للغش بعذر أقبح من ذنب قائلاً: ( نحن لم ندرس شيئا فكيف سنحل الامتحانات بدون مساعدة ) ! و بالرغم من وجود هذا العدد الكبير من الطلبة الذين يمارسون الغش كحق مشروع إلا أن بعض الطلبة تمتعوا بوعي و ضمير اتجاه ما يحدث ، فقد أقر 6 طلاب بأن ما يحدث خطأ ولكن( الله غالب) و اكتفوا بــــ(لا تعليق) على من ساعدهم . و البعض الآخر رأوا أن الغش مخز جدا وعار في جبين الوطن ،كالطالبة مرتاحة فرج وهي الطالبة بشهادة المراقبات لم تغش و واعترضت على ما يحدث في لجان الامتحانات قائلة : ( حسبي الله ونعم الوكيل فيهم ! كانت المشرفات يوجهن لي كلاما قاسيا لرفضي الغش وكثر قولهن لي:” ايش تحسابي روحك أنت” ) !
رد الحكومة الليبية المؤقتة على تسريب الامتحانات:
لم تتوقف كارثة الغش عند حدود ما يحدث في القاعات و خلف أسوار المدارس بل تفاقمت لتصبح قضية تمس أمن الدولة حين يتم تسريب أسئلة الامتحانات للشهادتين الإعدادية و الثانوية مما استدعى الوزير المكلف عقوب عبدالله عقوب للظهور إعلامياً مدافعاً عن نفسه في قضية التسريب التي أقر بها غاضاً طرفه عن عملية الغش التي لم يتطرق لها أبداً. بينما لم تبدي حكومة السيد الثني إطلاق أي ردة فعل اتجاه ما يحدث .
رؤساء لجان الامتحانات أمناء بين الأمانة و الخيانة لقيم التعليم
في استطلاع ﻵراء رؤساء لجان الامتحانات حول كارثة الغش رد بعضهم أنهم تلقوا أوامر شفهية من مسؤوليهم تتراوح بين الأمر المباشر الإباحة فمكتب الامتحانات أمر بــــ(عدم التشديد على الطالب) ، وقال البعض الآخر أنهم قالو ا (بينكم بين ربكم) . بينما رفض البقية أن يتحدثوا معنا بالخصوص .
قال رافع صالح رئيس مكتب الامتحانات في البلدية ( نحن نعمل بمبدأ لا اتجوع الذيب ولا اتفني الغنم لا نسمحوا بالغش ولانمنعه ).
وعقبت رئيسة لجنة من لجان الإشراف حميدة فتحي ( الله غالب هذه قضية لا أستطيع منعها لأن أولياء الأمور قصدوا زوجي وزوجي أمرني أن لا أشدد على أحد وأنه لا يريد المشاكل ) .
بعض مراقبي الامتحانات أجمعوا على تبرير الأمر بأن “الطالب مسكين و البلاد في حالة حرب، و من ينجح سينفع نفسه بدخوله الجيش أو الشرطة” كما أن معظم الطلاب من جيرانهم وأصدقائهم مما يشجع عملية الغش .و حين رفضت معلمة التواطؤ مع عمليات الغش بالامتحانات تم إقصاؤها وطلبوا منها” أن ترتاح في منزلها” و تريحهم .
وفي ظل هذه الظروف المهيأة قام جميع الطلبة باستثناء طالبة واحدة طلبت أن لا تغش ولا تغشش .
هذا حصاد الآراء من لجان الامتحانات أما عن رأي مسؤولي قطاع التعليم فلم يقابلنا منهم أحد ورفضوا التواصل معنا بالشأن . صوت الشارع و قضية الغش بامتحانات الشهادة
انقسمت آراء الناس بين مؤيد ومعارض لقضية الغش في المدارس ، و تراوحت ردود الأفعال مابين السخط بالقول المعتاد”الدولة خاربة” أو كتابة منشورات على الصفحات الشخصية للاعتراض ، أو الاكتفاء بقول حسبي الله ونعم الوكيل .
من خلال مقابلة 13 ولي أمر يرى 5 منهم ” أن الغش متفش منذ ما يقارب عقداً من الزمن ولن ينتهي الآن وهم مؤيدون له”، حيث قال ولي أمر الطالب فضل الله الناجي مبرراً الحال ( جت على أولادنا ليبيا كلها تسرق وتغش ) ! ، و 6 منهم أبدوا سلبيتهم اتجاه الغش فهم لا يؤيدون ولا يعارضون و هم “سايبينها على الله” مثل ولي أمر الطالب حسن حمزة الذي علق بـ ( يصلح الله الحال ،بس كان يمنعوه عليهم كلهم ومش واحد أو واحد لا ).
. ومن بين أولياء الأمور كان هناك اثنان تصديا لظاهرة الغش بإيجابية حيث عارضاها بشدة وقدما شكاوى وتقارير بالخصوص ، ووجه ولي أمر الطالبة هدى صالح النداء قائلاً ( هل من رجل يوقف هذه المهازل )؟ ثم ذهبنا لمنزل المعلمة (س ص ) التي واجهت بالحقيقة قائلة رأيها الساكت عن الحق شيطان أخرس) أنا مريضة وأتألم لهذا ويجب علينا كرعاة أن نصون الأمانة والمعلمات يتعاملن بقلوب أمهات مع الطالب
أسباب ظاهرة الغش في المؤسسات التعليمية:
كانت أسباب الغش عند الأغلبية من طلاب وأولياء أمور وأعضاء ورؤساء لجان متلخصة في :
1 _ ضعف ونقص عدد معلمي مرحلة الشهادة مما ينتج عنه صعوبة المناهج والامتحانات على الطالب.
2 _ عدم تمكن الطلاب من دراسة بعض المواد المقررة .
3 _ غياب الرقابة الإدارية على اللجان أثناء الامتحانات.
4 _ ضعف الواعز الديني و الأخلاقي للمعلمين و الطلبة.
5 _ رغبة الطالب في النجاح بأي وسيلة في ظل غياب الرقابة .
6 -استحسان أمر الغش والتعود عليه عاماً بعد عام .
7 _ اختيار اللجان من نفس المدارس أو المدن والقرى مما يعزز فرص التعاطف و الغش بين المراقب و الطالب .
8 _ أوامر بعض مكاتب الامتحانات الضمنية و الشفهية للجان بتسهيل الغش للطلبة.
إن مشكلة الغش تتفاقم عاماً بعد عام و لعل أهم اقتراحات الحلول تتمثل في تعاضد الجميع (إدارات و أولياء أمور و معلمين و طلبة ) في وجه هذه الظاهرة دون استثناء , بدءاً من رفع مستوى المعلم الذهني والمعيشي وتهيئته للتفرغ لشأن الطالب فحسب ذلك من خلال رفع راتبه وتحصينه بقوانين تحمي حقوقه و تردعه عند انتهاك قداسة مهنة التعليم بتجريم الغش ، ولابد من تفعيل مراقبة لجان الامتحانات بطريقة سرية و تحصين اللجان برجال أمن لو لزم الأمر لضمان نجاح سير الامتحانات داخل المؤسسات التعليمية . كما يجب تطوير المناهج التعليمية و تأهيل المعلم لتدريسها بطريقة جيدة تضمن استيعاب الطلاب .
إن ظاهرة الغش أمر يستلزم العمل الجاد للقضاء عليها ، فالغش هو الخطر الذي ينتج سنوياً عاهات من أجيال تسقط وتسقط البلاد معها ، فمن هؤلاء الطلاب الذين استمرؤوا الغش.
في ظل غياب الضمير سيكون الناتج جندياً مهزوما وطبيبا قاتلاً ومهندسا فاشلاً ومصرفيا سارقا وأباً متخلفاً وأمّاً جاهلة.
باختصار شديد هؤلاء هم الثروة المهدورة بدأ الدود فاستفيقوا وأنقذوا ثروتكم .