قصة قصيرة :: أحمد يوسف عقيلة
1
… لم يفهم الزوج لماذا لاتزال زوجته تصر على استعمال إناء الشاي القديم.. على الرغم من أنه اشترى واحداً جديداً منذ شهر.. الإناء القديم من عمر ابنتهما الوحيدة (حوريّة).. غير أن حوريّة أزالت الشرائط الحمراء من ضفائرها.. شرعت تمشي على أطراف أصابعها.. استدارت أشياء كثيرة في جسدها.. بدأت تتبادل الرسائل مع ابن الجيران.. على الرغم من أنه لايزال يمسح أنفه بطرف كُمّه.. أمّا إناء الشاي فقد بلغ سن التقاعد منذ زمن.. علاه السواد.. فمه مفتوح.. أُذنه مقصوصة.. رقبته ملتوية.. آثار سقطاته ظاهرة على جسده المحترق.
… في أحد الأصباح يطفح كيل الزوج.. كما نقول في لغتنا الجاهزة.. يصرخ في وجه الزوجة.. إلى درجة أن الجيران سمعوا الصرخة.. وشرعوا يدقّون الباب بعنف…
ـــ لا إله إلا الله.. من اللي ميّت يا حمد؟
ـــ البرّاد.. شبع موت..! شريت برّاد جديد يا حاج صالح تشوف فيه وجهك.. والسيدة زاهية مازالت متمسكة بعقاب برّاد محروق أسود أنود.. حتى الكلب ـــ حشاك ـــ يعافه.
ـــ كل هذه الصرخة على صبح الله من أجل برّاد.. فجعتني.. وين البرّاد الجديد يا زاهية.
تحك زاهية خلف أذنها.. تدخل بتثاقل إلى المطبخ.. تحضر البرّاد.
يشهق الحاج صالح:
ـــ الله الله.. عندها حق.. برّاد أبيض مزخرف بالورد.. وتبيها تحرقه بالنار؟!
ـــ يعني حرام وإلاّ عيب كان شريت لها حاجة سمحة؟
ـــ لا.. لا سامح الله.
ثم يضيف وهو يسترق النظر إلى زاهية:
ـــ أنت طول عمرك جيّاب للسمحة.
تبتسم زاهية.. يدغدغها الإطراء:
ـــ والله يا حاج صالح البرّاد الجديد خسارة في النار.
يقول حمد وهو يفتح ذراعيه:
ـــ أيش الحل يا حاج صالح؟ يعني كل يوم الواحد يصبّح في برّاد محروق؟
ـــ لا.. عندي حل وسط.. زاهية تطبخ الشاهي في البراد القديم.. وتصبّه في البراد الجديد.. يعني أنت يا حمد ما تشوف إلا البراد المزخرف قدّامك فوق السفرة.
ـــ اممممم.. الله غالب.
يتهلل وجه زاهية.. تحتضن البرّاد المزخرف.. تمسحه برفق بطرف ردائها.. تنفخه من غبار غير مرئي.. ترفعه بينها وبين المصباح.. يُشرق في يدها.. تتأمل زهوره الحمراء.
2
… تزوجت حوريّة.. مات حمد.. أصبحت زاهية تقوم على أربع.. تستند إلى العكاز.. تتحسس الحائط.. وظل البراد الأبيض ذو الزهور الحمراء يتربع على السفرة.. ينير عتمة الصالة.