لا يمكن أن نفصل ما بين ماضي وحاضر منطقة الجنوب الليبي أثناء تناولنا لموضوع الجنوب الليبي ما بين الديموغرافيا السكانية والحدود المفتوحة. وحرصاً من صحيفة فسانيا على توضيح الصورة أكثر حول تداعيات الهجرة غير الشرعية ودخول مواطني الدول المجاورة لليبيا دون وجود متابعة ومراقبة لحدودنا الجنوبية الأمر الذي يؤثر كثيراً على الديموغرافيا السكانية للمنطقة خصوصاً مع قيام كثيرٍ من الأجانب بالزواج من أجنبيات إضافة إلى زواج الليبيين من أجنبيات كذلك مما يسبب مع السنوات القادمة في تخلخل الديموغرافيا السكانية لصالح الأجانب بدل السكان المحليين عبر مطالبة الأجانب للسلطات الحكومية بالحصول على الجنسية الليبية وحقوق المواطنة الكاملة وهي ورقة كان المقبور القذافي يلعب على وتيرتها بمنحه الجنسية الليبية لعدد كبير من الأفارقة رغم عدم أحقيتهم لها.
وحول هذا الموضوع بالذات نشير هنا في هذا الجزء من دراسة الجنوب الليبي ما بين الديموغرافيا السكانية والحدود المفتوحة إلى بعض ما كتبه الدكتور جمال الدين الدناصوري, الأستاذ المساعد بالجامعة الليبية وجامعة عين شمس في كتابه “جغرافية فزان” دراسة في الجغرافية المنهجية والإقليمية فيما يخص السكان بفزان من النواحي الديموغرافية حيث يقول: كانت فزان أثناء تعدادي سنة 1931 وسنة 1936 تمثل جزءاً من طرابلس من الناحية الإدارية، وكانت مساحتها حينئذ 525.800 كم تقريباً، أما عدد السكان فقد بلغ سنة 1931-28212 نسمة يتألفون من 25822 نسمة من المواطنين, فيما عدا مديريتي وادي عتبة والقطرون اللتين قدر عدد سكانهما سنة 1932 إذ بلغ عدد سكان مديرية وادي عتبة 1005 نسمة، والقطرون 1127 نسمة جميعهم من الوطنيين غير 258 نسمة من الأجانب الإيطالي الجنسية، أما سنة 1936 فقد بلغ عدد الأجانب وهم من ذوي الجنسية الإيطالية 351 نسمة، على حين قدر عدد الوطنيين، 36230 نسمة، أما جملة السكان فقد قدر عددهم ـ 36581 نسمة.
وقبل أن نتناول بالدراسة التفصيلية تطور عدد السكان في فزان سندرس العوامل التي أدت إلى ما طرأ على هؤلاء السكان من زيادة العدد أو نقصه.
قدرت نسبة المواليد في فزان سنة 1935 بـ 29,4 في الألف وفي سنة 1936 بـ 21,2 في الألف، أي بمتوسط يبلغ 25,3 في الألف وفي سنة 1936 بـ 21,2 في الألف، أي بمتوسط يبلغ 25.3 في الألف أما الإحصاءات الحيوية الحديثة فغير متوافرة في فزان، ولكنها تقدر في ليبيا بـ 25,3 في الألف سنة 1964 و بـ 29,7 في الألف في سنة 1965 وقد لا تختلف النسبة في فزان كثيراً عنها في ليبيا بوجه عام.
أما عن هجرة السكان، فقد لوحظ أن هناك هجرة من أوباري إلى سبها أي من الجنوب للشمال تتناول القادرين على العمل بصفة خاصة، فينتقل السكان من القرى والنجوع إلى المدن والقرى الكبيرة، ومن المدن الصغيرة مثل مرزق وغات وأوباري إلى سبها بصفة خاصة، كما أن هناك تياراً للهجرة يخرج من سبها متجهاً نحو منطقة الساحل وبخاصة مدينة طرابلس.
وقد أشارت تقديرات سنة 1935 إلى أن الهجرة إلى فزان نحو 4,3 في الألف يقابلها هجرة من فزان قدرت بـ 0,2 في الألف أي أن صافي حركة السكان كانت 4,1 في الألف، أما في سنة 1936 فكانت الهجرة إلى فزان 1,1 في الألف يقابلها هجرة من فزان قدرت بـ 0,4 في الألف أي أن فزان قد كسبت ما نسبته 0.7 في الألف من سكانها عن طريق تنقلات السكان (المتوسط في 1935 – 1936 كان 2,7 في الألف من المهاجرين لفزان 0,3 في الألف من الخارجين منها أي بزيادة قدرت بـ 2,4 في الألف في المتوسط).
ولكن الظروف الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية والسياسية قد تغيرت فقد ظفرت البلاد باستقلالها وواكب الاستقلال قيام نشاط عمراني وتنفيذ مشروعات للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكانت سبها مركزاً مهماً لحركة التعمير وبخاصة بعد أن ربطها بالشمال طريق معبد سنة 1960، وكانت فزان مجالا للبحث عن الغاز الطبيعي والبترول الذي لم يدخل مرحلة الاستغلال لبعد الحقول التي اكتشفت عن موانئ التصدير وعدم غزارة بعض هذه الحقول، وقد تمتعت سبها بمكانة خاصة في ظل الحكم الاتحادي، إذ كان عاصمة إدارية لفزان، ولكن بعد إلغاء النظام الاتحادي انتزعت أوباري مقر الإدارة المحلية في مقاطعة الجنوب بعض الأهمية من سبها، وربما كان تصنيف سكان مقاطعتي سبها وأوباري في تعداد سنة 1964 حسب محل الميلاد مما قد يلقي الضوء على حركة السكان بين فزان وبقية مقاطعات المملكة من جانب، وبين فزان والعالم الخارجي من جانب آخر، فقد ولد من سكان مقاطعة سبها سنة 1964 خارجها 5,577 نسمة هاجروا إليها وجاء أكثرهم من مقاطعة أوباري 1,765 نسمة، يليهم من حيث العدد القادمون من وراء الحدود من التبو والطوارق وسكان تشاد والآخرين من جانب أو من الجزائر وتونس من جانب آخر، يليهم الوافدون من مقاطعة مصراتة 757 نسمة، فمقاطعة الخمس 229 نسمة، وهكذا تبدو الهجرة كموجات تجتذبها أضواء الحضارة وفرص العمل من الجهات الصحراوية إلى واحات فزان الجنوبية أولا كما يبدو في هجرة سكان المناطق المتاخمة لفزان إلى جنوب فزان، فتدفع بدورها موجة من الهجرة إلى الشمال في سبها، ولكن هجرة السكان من مصراته والخمس إلى مقاطعة سبها تعزى أولا لقربها من مقاطعة سبها وثانياً إلى كثرة القبائل التي تنتقل بين هاتين المقاطعتين من جانب, وبين وادي الشاطئ حيث تتوافر المراعي وفرص العمل مثل جني البلح الذي قد يملكون الكثير من غياطه من جانب آخر، كما تتوافر المياه في شهور الصيف وهي شهور التعداد، وأهم هذه القبائل التي استقر عدد كبير منها الحطمان والزوايد والقوايدة، وهم يملكون النخيل والسواني، إلى جانب الحساونة والمقارحة، وذلك إلى جانب بعض القبائل التي ترتبط حياتها بالشاطئ في سبها ارتباطاً وثيقاً، وإن كانت ترعى حيواناتها متنقلة بين المقاطعات الثلاث. مصراتة والخمس وسبها وأهمها الزنتان والمشاشية وأولاد بوسيف والقذاذفة وورفلة والرياح، كما تفد بعض أفراد هذه القبائل قادمة من مقاطعة الجبل الغربي إلى مقاطعة سبها فقد بلغ عدد هؤلاء 323 نسمة، نتيجة لتبادل السكان بين هاتين المقاطعتين سنة 1964 مصنفين حسب محل الميلاد، أما المقاطعات التي تفقد مقاطعة سبها بعض سكانها نتيجة لتبادل السكان معها على ضوء محل الميلاد، فهي مقاطعة طرابلس 3,871 نسمة، ومقاطعة بنغازي 1,667 نسمة، يليها الجبل الأخضر 191 نسمة، ثم درنة 188 نسمة ثم الزاوية 106 نسمة، ومن الواضح أن التفاوت في مدى جاذبية المقاطعات لتيارات الهجرة، يعزى إلى الاختلاف في مدى توافر فرص العمل في المدن الكبيرة، ومناطق المشروعات الكبيرة للتعمير عنه في المراكز الصغيرة ومناطق الريف بوجه عام.
أما مقاطعة أوباري فهي أقل جاذبية للسكان وأكثر مقدرة على طردهم من مقاطعة سبها، لأن موقعها أكثر تطرفاً بالنسبة لمقاطعات ليبيا الأخرى، كما أن إمكانياتها وفرص العمل فيها محدودة ويقتضي الانتقال إليها تخطي صعوبات كثيرة، فضلا عن الاتجاه العام لحركة السكان في ليبيا من الجنوب إلى الشمال، ومن الداخل للساحل وبخاصة للمدن الساحلية الكبرى في طرابلس وبنغازي، مع ميل عام للانتقال شرقاً من طرابلس إلى برقة في مناطق البترول ومواطن التعمير في الجبل الأخضر، ولكن لم تفقد أوباري جاذبيتها إزاء من أتوا من وراء الحدود، فقد وفد إليها 326 نسمة أكثرهم من التبو والطوارق لموقع ديارهم المتاخم للحدود الليبية في الجنوب الغربي، إلى جانب عدد ضئيل من الذين وفدوا من مصراته والجبل الغربي (36,42 نسمة على التوالي) أي أن مجموع من ولد من سكان أوباري خارجها قد بلغ سنة 1964-404 نسمة، وربما يبرر ذلك في الحالات الأولى الظروف الاقتصادية والعلاقات القبلية بين السكان في أوباري وفي خارج ليبيا، أما في حالة مقاطعتي مصراته والجبل الغربي فالعلاقات القبلية بين بعض السكان من البدو وأشباه البدو ممن استقروا في أوباري وبين من بقي منهم في هاتين المقاطعتين هو الذي يفسر العدد المحدود من السكان ممن ولد في المقاطعتين ليقيموا في أوباري. أما بقية المقاطعات فقد تلقت عدداً من السكان ممن ولدوا في أوباري بلغ سنة 1964, 2,759 نسمة، وكانت مقاطعة سبها أكبر مراكز الاجتذاب، إذ فقدت أوباري 1,765 نسمة من سكانها في مبادلتها مع سبها، يليها طرابلس (325 نسمة) ثم درنة (167 نسمة) ثم بنغازي (104 نسمة) وليس غريباً أن يهاجر بعض سكان مقاطعة أوباري إلى طرابلس لقربها نسبياً وتوافر بعض ما يجتذب السكان مثل فرص العمل ووسائل الترفيه فيها، ولكن قد يثير التساؤل أن تتفوق درنة على بنغازي وربما يعزى ذلك إلى أن بنغازي توفر من ظروف المعيشة وفرص العمل ما توفره طرابلس القريبة لسكان أوباري، فالمهاجرون لدرنة يستهدفون ظروفاً مغايرة لما توفره طرابلس أو بنغازي، ويلاحظ أنه في مقاطعة درنة توجد متصرفيتان هما درنة وطبرق يمكن أن يجتذبا بعض السكان.
كثافة السكان:
تغيرت مساحة مقاطعات فزان سواء نتيجة لما طرأ على الحدود بينها وبين مقاطعات ليبيا المجاورة من تعديلات، أو لما طرأ على حدود ليبيا الدولية بينها وبين جيرانها في الجنوب والغرب من تغيرات، فقد قدرت مساحة فزان بـ 525,800 كم2 سنة 1935 و بـ 655,000 كم2 سنة 1954 و بـ 592.400 كم2 سنة 1964، وهكذا أصبحت نسبة مساحة فزان للبلاد في سنة 1964 نحو 30,36% بعد أن بلغت 29,00 % سنة 1935, ولما كانت أكثر مناطق فزان أراضٍ صحراوية، فلا غرو أن كانت كثافة السكان المطلقة منخفضة جداً، إذ أنها دون كثافة مناطق ليبيا الأخرى، في أكثر الأحيان, كما أنها دون كثافة المملكة كلها، مما تفقد معه دلالتها، ويكفي أن نذكر أن مساحة أراضي الحيازات الزراعية لم تتجاوزسنة1960,39.145 هكتاراً أو 0.4 كم2 أو 0.00006% من مساحة فزان الكلية.
إعداد وتوثيق: أبو بكر مصطفى خليفة .