كتب :: السفير السابق :: جمعة إبراهيم
تعرضت أفريقيا منذ مؤتمر برلين عام 1884 إلى هجمة ممنهجة ، اجتاحت دولٌ أوروبية القارة فاستعمرت شعوبها وقسمت الأراضي الأفريقية فيما بينها ونهبت ثرواتها وسخرتها لخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية ، وبعد طرد المستعمرين على يد قوات التحرر الوطني وحصول الدول الأفريقية على استقلالها اتخذ التنافس الأجنبي على أفريقيا نوعا آخر تمثل في الاستثمارات من قبل الدول والأفراد والشركات متعددة الجنسيات ، وهكذا أصبحت القارة محل أنظار من قبل الشرق والغرب بعد أن كانت من أكثر مناطق العالم تهمشاً بعد الحرب العالمية الثانية . تتناول هذه الورقة موضوعين الأول التواجد العربى في أفريقيا أماكنه ونشاطاته وفعاليته وتأثيره على الساحة الأفريقية مقارنة بدور القوى الأخرى ، والثاني التواجد الدبلوماسي الليبي والاستثمارات الليبية في أفريقيا والهدف منه وجوانب النجاح والفشل في هذا النشاط وضوابط إستراتيجية التحرك في المستقبل
. أ ــ التّوَاجُدُ العَرَبِيّ فِي أَفْرِيقْيَا
في عام 1977 عقدت بالقاهرة أول قمة عربية ، وخلال الفترة الفاصلة بينها وبين القمة الثانية التي انعقدت بمدينة سرت في أكتوبر عام 2010 ، لم يعقد أي لقاء عربي ـ أفريقي عالي المستوى فغاب التشاور والتنسيق المشترك بين الدول العربية والدول الأفريقية ، ورغم ذلك بادرت دول عربية في التحرك نحو أفريقيا فوسعت من تواجدها الدبلوماسي لكنه اتخذ طابعاً انتقائياً ، ومنها مصر ، والجزائر ، والمغرب ، والسعودية ،واستثمرت هذه الدول ودول أخرى أموالها في مشروعات إنمائية وخدمية . ويتضح من التقارير أن للسعودية ، والإمارات ، والكويت استثمارات واسعة في الدول الأفريقية جنوب الصحراء ، وتتركز الاستثمارات السعودية في السنغال ، ونيجيريا وبوركينا فاسو ، وكوت ديفوار، والجابون وتشاد . واهتم السعوديون بخمس دول في شرق أفريقيا هي جيبوتى ، وأثيوبيا ، وكينيا وأوغندا ، وتنزانيا والأسباب هي القرب الجغرافي حيث لايفصل السعودية عن هذه الدول إلا البحر الأحمر ومايشكله مع خليج عدن والقرن الأفريقي من حيوية للأمن القومي السعودي علاوة على ذلك سهولة الوصول إلى الموانئ البحرية لهذه الدول عبر المحيط الهادئ ، كما أن هذه الدول تُعد من أسرع الاقتصاديات الأفريقية نمواً وتتوفر بها الأيدي العاملة الرخيصة وسوق ضخمة يعيش عليها 190 مليون مستهلك ، من جانب آخر يُعد السوق السعودي أكبر مستهلك لمنتجات هذه الدول من فواكه ولحوم وغيرها ، وتهتم الاستثمارات السعودية بالزراعة خاصة إنتاج وتصنيع الفواكه والخضراوات وتربية المواشي المعدة للتصدير ، كما تتركز على مشاريع البنية التحتية و الصناعية والسياحة ومراكز التسوق ، والاستثمار في قطاع الطاقة.
من أشهر المؤسسات السعودية شركة العمودي التي تتفرع عنها(41) شركه تعمل في الزراعة والصناعة والسياحة والنفط والغاز في جيبوتي ، وكينيا ، وأوغندا ، والسودان وجنوب أفريقيا ، وتُعد أثيوبيا نموذجاً للاستثمار السعودي في أفريقيا حيث تنتج إحدى الشركات السعودية مايزيد على عشرة آلاف طن من البن من مزارع تبلغ مساحتها خمسة وعشرون ألف هكتار ، ويمتلك مستثمرون سعوديون أكبر وأشهر الفنادق في العاصمة أديس ابابا منها فندق شيراتون على سبيل المثال . قدم الصندوق الكويتي للتنمية قروضا ميسرة للدول الأفريقية لاسيما في مجال البنية التحتية وتستثمر شركة ” الخرافي” الكويتية أموالا كبيرة على السياحة والمقاولات وإدارة الفنادق في كل من جنوب أفريقيا ، وأثيوبيا ، وغامبيـا ، وقامت شركـــة ” زين ” الكويتية بشراء 75% من شركة ” ويسترن تلستمر ” للاتصالات العاملة في غانا بالإضافة إلى فروعها في أربع عشرة دولة أفريقية. وتتواجد الاستثمارات الإماراتية في دول أفريقية كثيرة يوضحها حجم التبادل التجاري الذي بلغ في عام 2013 بين إمارة دبي وأنجولا أكثر من سبعة مليارات درهم تغطي تجارة المعادن والصناعات المعدنية والكيماويات والأخشاب والمعدات الإلكترونية ، وبلغ حجم تجارة الإمارة مع جنوب أفريقيا حوالي ثمانية مليارات درهم عام 2013 ، ويعتمد التبادل التجاري بينهما على المنتجات الزراعية والمعادن والمنسوجات والمركبات ، وتعتبر الاستثمارات الإماراتية في كينيا متقدمة للغاية في قطاعات الخدمات المصرفية والاتصالات والبنية التحتية ، وكينيا من أكبر مستوردي النفط الإماراتي . احتلت نيجيريا الاتحادية مركزاً متقدماً في قائمة الشركاء التجاريين مع إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وتشمل مجالات التعاون بينهما الزراعة والطاقة ، أما التعاون بين غانا والإمارات فيشمل المنتجات الزراعية والأخشاب والأحجار الكريمة والمعادن وخاصة الذهب ومع تنزانيا المنتجات الزراعية والمواشي والمنسوجات والأخشاب والكيماويات ، وقد لعب طيران الإمارات دوراً هاماً في ربط الدول الأفريقية بمنطقة الخليج من حيث تسريع التبادل التجاري ونقل السلع والأفراد ، وحالياً يُسير طيران الإمارات رحلات منتظمة إلى مطارات أكثر من عشرين دولة أفريقية . لجمهورية مصر والمغرب نشاط استثماري في أفريقيا حيث تقوم الشركات المصرية بتنفيذ عدة مشاريع في مجالات الصناعة والزراعة والبناء والتعليم والسياحة ، وقد خصصت الحكومة الأثيوبية لمصر أراضٍ في شمال البلاد لإقامة مدينة صناعية ، وينشط المستثمرون المصريون في دولة جنوب السودان خاصة في مجال بناء الفنادق والإنتاج الزراعي وتنفذ مصر مشروعات إنمائية شملت الكهرباء والريّ والصحة والتعليم والزراعة . تتركز الاستثمارات المغربية في بلدان غرب أفريقيا وتشمل قطاعات متنوعة منها المصارف والتأمين والاتصالات والتعدين والصناعات الكهربائية والكيماوية والزراعة والنقل ، فعلى سبيل المثال تساهم الشركات المغربية في إنشاء محطة للنقل بالمترو في العاصمة الإيغوارية أبيدجان ، وتعمل شركة ” فابريليك ” في مدّ خطوط الكهرباء لعدة قرى في بوركينا فاسو ، وتشيّد شركة “كوبر فاربا” مصنعاً للأدوية في رواندا ، وتمثل صادرات المغرب إلى السنغال ، وغينيا ، وكوديفوار ، وغامبيا ، ومالي ، مانسبته ثلث الصادرات المغربية إلى بقية بلدان القارة جنوب الصحراء الكبرى ، وقد قدمت الزيارات المتتالية لملك المغرب محمد السادس إلى عدد من الدول الأفريقية والتحاق المغرب بالاتحاد الأفريقي دليلا آخر على حرص المغاربة لوضع لبنات أخرى لتطوير علاقاتهم الاقتصادية والاستثمارية مع دول القارة . فى القمة الثالثة بالكويت عام 2016 برز زخم جديد بأنّ جدّد رؤساء الدول والحكومات تأكيدهم على الالتزام بتنفيذ محاور الشراكة العربية الأفريقية 2011 ــ 2016 وعبروا عن إرادة سياسية لتفعيل آليات التعاون المشترك لمتابعة تنفيذ ما وضع من إستراتيجيات وخطط عمل ، فقامت دول عربية بتشجيع شركاتها ومؤسساتها للاستثمار في أفريقيا لكنها ظلت محاولات فردية وانتقائية في أغلب الحالات.
هكذا لم يصل التحرك العربي في أفريقيا إلى مبتغاه لأسباب عديدة بعضها يخص الوضع العربي نتيجة غياب التنسيق ، والآخر عدم قدرة هذا التواجد على منافسة القوى الأخرى التي عززت وجودها في القارة ، وبالتالي فإن الأمر يحتاج إلى تقييم جماعي وإبراز جوانب النجاح والبناء عليه وتحديد جوانب الإخفاق ووضع مايلزم من تدابير عملية لمعالجته ولذلك يجب أن تأخذ إستراتيجة التحرك العربي بعين الاعتبار جملة من الحقائق لابد منها لتنطلق مسيرة التعاون العربي الأفريقي على أسس صلبة وواقعية وعملية .
أولاً ــ إن التعاون العربي الأفريقي في مفهومه الواسع لايمكن عزله عن النظام الدولي فالمهيمنون عليه سياسياً واقتصادياً لن يتوقفوا عن محاولات الاستقطاب والهيمنة على أفريقيا لكي تتمدد عروقهم في الجسم الأفريقي ليشكل معول هدم لمسارات التعاون بين العرب والأفارقة ، وإحباط هذه المخططات لن يتحقق إلا بالتصميم القوي الذي يكفل حشد الموارد والطاقات والحيلولة دون الوقوع في فخ الظواهر السلبية التي شابت العلاقات العربية الأفريقية لمدة من الزمن .
ثانياً ــ إن الشراكة بين أفريقيا ودول وتجمعات أخرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية مسار يمكن الاقتداء به بمعنى الانتقال من التعاون الثنائي مع الدول الأفريقية إلى النهج الشمولي المتبادل وهو توجه ورد في الإستراتيجية المشتركة وخطة العمل المعتمدة في القمة العربية الثانية وأكدت عليه القمة الثالثة التي عقدت تحت شعار ” شركاء من أجل التنمية والاستثمار ” . ثالثاً ــ توسيع نطاق التبادل التجاري وتنشيط الاستثمار العربي في أفريقيا من خلال إقامة المعارض والبعثات الترويجية ، ودعم مبادرات التنمية الصناعية وتطوير مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة وتشجيع الاستخدام الفعّال للموارد الطبيعية وتنفيذ المشروعات الإنمائية المشتركة وتعزيز تبادل الزيارات بين الباحثين وأساتذة الجامعات ومراكز البحوث ، وإعطاء المنح الدراسية بالمعاهد والجامعات العربية للطلبة الأفارقة لما له من أهمية في زيادة الترابط الثقافي بين الفعاليات المتعددة من الجانبين. رابعاً ــ الانتقال من المبادئ العامة والتصورات إلى إجراءات عملية بحيث يضع الجانبان العربي والأفريقي مشروعات ذات أولوية لكليهما ومراعاة مبدأ التوزيع العادل في تحديد مواقعها بين الدول العربية والأفريقية .
خامساً ــ تنفيذ مشاريع الربط العضوي بين أفريقيا والدول العربية بطرق برية وبحرية وخطوط السكك الحديدية والطيران وإقامة مشاريع الأمن الغذائي وإرسال البعثات الطبية لمكافحة الأمراض ، فهذه المشروعات فضلاً عن أنها تتيح الاستخدام الأمثل لموارد الإنتاج وحسن استغلالها فإن ثمارها ستصل إلى أكبر عدد من الناس لاسيما المحرومين منهم حتى يشعر الأفارقة أن التعاون المشترك أقيم من أجلهم ولمصلحتهم .
سادساً ــ عدم قصر التعاون العربي الأفريقي في الإطار الحكومي الرسمي وإنما ربطه بالاتحادات والروابط العمالية والشبابية وغيرها من منظمات المجتمع المدني بهدف خلق تيار شعبي يدعم المسار الحكومي ويعزز التوعية ويقوي صلات الترابط بين الشعوب العربية والأفريقية . سابعاً ــ إزالة الشعور لدى المسؤولين الأفارقة بأن ماتقدمه الدول العربية من مساعدات ثنائية أو حتى جماعية مرتبط بالحصول على دعم سياسي الأمر الذي ينظر إليه أولئك المسؤولون بأنه نوع من الابتزاز واستغلال الظروف ، والابتعاد عن إثارة الخلافات السياسية الأفريقية الأفريقية ( قضية الصحراء الغربية ) مثلاً أمام المحافل التي تجمع الدول العربية والأفريقية في إطار الاتحاد الأفريقي على سبيل المثال .
ثامناً ــ أن يكون للدول العربية فرادى أو جماعات دور في حلّ المنازعات السياسية والإثنية التي تتعرض لها دول أفريقية من خلال التواصل والتوفيق والوساطة بين الفرقاء فيها ( الوضع في جنوب السودان ) مثلا . تاسعاً ــ التنبه إلى خطورة ماتروّج له الدوائر الإسرائيلية والغربية للإساءة للعلاقات العربية الأفريقية من خلال تصوير التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية بأن لها وجها عنصريا واستخدام الوسائل الرسمية والإعلامية لشرح ما قد يحدث من ممارسات بأنها تصرفات فردية لاصلة لها بالدوائر الرسمية .