- المهدي يوسف كاجيجي
عندما سقط نظام سبتمبر، اتصلت هاتفيا بالسيد سيف النصر عبدالجليل وزير الدفاع السابق فى العهد الملكي، رحمه الله. فقال لي فى اول انطباع له عن الحدث :” يسترها الله يا ولدى، الليبين صعبين ! لقد نجح سيدى ادريس فى إنهاء حالة التشرذم، التى كنا نعيشها كقبائل ومناطق متصارعة، تاكلها الأحقاد والكراهية. استطاع أن يجمعنا ويوحدنا تحت رآية الجهاد. وعندما حصلنا على الاستقلال، اصبح لدينا ولأول مرة دولة فى تاريخنا المعاصر. حقبة سبتمبر كان بها كثير من السلبيات، يا خوفى يا ولدي ان تنفرط السبحة، وتتبعثر حباتها، ونعود لحالة التشرذم الذى كنا فيها.” كان الرجل حكيما رحمه الله.
حرب العلم الواحد !
سقط النظام، وقفز المتربصون إلى المشهد، وتحول وطن بكامله إلى غنيمة مستباحة، تجمع حولها كل ذئاب الارض. وطن فقد اهله البصر والبصيرة، وقاموا بتوظيف كل مالديهم من متناقضات ، وخلافات أسرية ، وقبلية ، ومناطقية ، وجهوية ، من اجل الحصول على اكبر قدر ممكن من الغنيمة. تمترسوا بالاجنبى ضد بعضهم البعض، ففقدوا القدرة على اتخاذ القرار. بلد برحابته وأرضه المترامية الأطراف ، لم يتمكن من جمع بنيه ، تحت مظلته، لتصفية خلافاتهم. وطن تحوّل إلى ساحة قتال، اهدر فيها الدم الليبي الطاهر، من اجل تصفية حسابات لقوى إقليمية ودولية، لا زالت تواصل تمويلها ودعمها المادى والعسكري والإعلامي ، لتزكية نار الخلاف، وتعطيل ومحاربة اَي مبادرة للم الشمل، وإيقاف النزيف. وطن تحوّل إلى ساحات قتال تحت مظلة علم واحد، لا يعرف أهله من يقاتل من ؟ ومن تابع لمن ؟ والقتال لمصلحة من ؟ حروب ومعارك كان وقودها الخيرة من ابنائنا الذين انتظرناهم طويلا ، فعادوا إلينا موتي فى توابيت خشبية او أحياء بأطراف مبتورة. إضافة إلى معارك إعلامية استخدمت فيها كل الوسائط التقنية من قنوات فضائية ، ومواقع تطل عبرها رؤوس افاعٍ تواصل فحيحها لبث مزيد من الفرقة والكراهية والبغضاء والتشتت.
من يقاتل من ؟!
ايها السادة، انا شيخ هرم، انتمي إلى جيل رحل معظمه ، ومن تبقى ينطبق عليه المثل الشعبى ” رجله فى الركاب ” فكل ما احلم به وطن آمن، اتوكأ فيه على ما تبقى من أيامي، متسكعا فى شوارعه، مستمعا بما تبقى لى من حاسة السمع ، إلى تعليقات شبابه المتجمع على النواصى ، منصتاً إلى حواراتهم وتعليقاتهم حتى البذيئة منها. أتلقي السلامات والتحيات الدافئة على طول الطريق” خير يا حاج ” ـ ” ساعد روحك يا حاج “ـ ” اتفضل يا حاج ” وطن يشعرنى بالدفء والمحبة والأمان، وطن اشعر فى شوارعه بصلة الرحم تلفني، وطن لا يرعبني فيه ضعف الذاكرة ” الزهايمر ” لان هناك الف من سيعيدنى إلى بيتي، ولا ابالغ فى ذلك فأنا ولدت فى وطن أهله ملئ الكف الواحد حتى ولو ترامت أطرافه ، كلنا يعرف بعضنا البعض.
أيها السادة أفيدونى بما يجرى على ارضنا: من يقاتل من ؟ والدم الليبي المهدور لصالح من ؟ وليرحمنا الله ويرحمكم مما هو قادم.