- الباحث في التراث :: مصطفى فنوش
تعد حاسة العين من أهم وأكثر الحواس في جسم الإنسان تشبيها في تعابيرنا الشعبية وهي مرآة تنعكس عليها الأحاسيس والمشاعر والانفعالات العاطفية وللعيون لغةغيرمنطوقة يعرف المحبون أبجدياتها فنظرة العين قد تحتوي علي القبول والمحبة إذا كانت مليئة بتدلل والفرحة وقد تكون تعبيرا صارخا عن حالة الغضب وما يجيش في داخل المرأة إذا كانت كارهة وقد لا تعرف معان لنظرات العيون إذا تعكس ملامح دفينة حينها تفقد الألفاظ والكلمات القدرة علي فك شفراتها .ونحن نتطرق إليها للاهتمام الذي أعطاه الأدب الشعبي في بلادنا لهذه الحاسة من ناحية المضامين النفسانية والسلوك الاجتماعي مع معرفة ما تحتويه نظرات العيون من القيم والمعايير وهما الأهم في دراسة الموروث الشعبي والقول { العين بالعين والسن بالسن } يؤكد قواعد القصاص وقد وردت العديد من الآيات الكريمة حتى أضحي قاعدة استشهادية جعلته من التعابير المتداولة ..والمثل القائل { العين عليها حجاب } كان أهلنا الأوائل يستعملون الأحجبة لطرد الأرواح الشريرة واستجلاب التفاؤل والاطمئنان النفساني والمثل القائل { طاح من العين } فالموروث يصور لنا أن الازدراء ولاحتقار للشخص الذي يفقد موازين الاحترام لدي الآخرين وهو سقوط معنوي في مجمله , في حين المثل القائل { كبر في العين }هو عكس المثل السابق فقد يتصرف شخص لا ينتظر الآخرون منه مواقف حقيقية أو يتحدث أمام الآخرين فيحسن الحديث يقولون هذا المثل ..في حين نجد مثلا أخر مفاده { من أجل عين تداري عيون كثيرة } حيث يؤكد الموروث مثل هذه الظاهر النفسانية سواء كانت تعبيرا عن حالة عاطفية أو حالة حقوقية بين الناس وقد تكون مقاييس منافية للمنطق ولكن مهمتنا هي رصد الظاهرة والتعبير عنها في إيجاز وهناك مثل مفاده { عين تضحك وعين تبكي } الإنسان يتكون من مجموعة من الأحاسيس والمشاعر تتحكم فيها عوامل التأثير والانفعال فحالة السرور والفرحة تضحك العين وحالة الكآبة والحزن والفقد تبكي العين وهو ما يعد تصارع العواطف في صدر الإنسان , والمثل القائل { عين فارغة } يصور الموروث العين الفارغة المجردة من قيم الخير والمليئة بالمعاني السيئة المتمثلة في عدم القناعة والرشوة والفزع والهلع والطمع وحسد الآخرين . والمثل القائل { أش وداك يالعمي : قال قفه عيون } الإنسان دائما يتمني أن يحقق من رغباته الأكثر منفعة وفائدة تعود عليه وإذا تركت له حرية فمطالبه ستكون لا حدود لها .. وأن كان المثل يحمل في جوفه معني أخر قد يقال كمثل مستقل أحيانا وهو { من القفا عيون } أي يحتاج إلي عيون أمامية وعيون خلفية لمواكبة أعباء ومشكلات الحياة العصرية والحقيقة أن الموروث قد أجد في تصوير الصورة البلاغية للمعني المراد في المثل القائل { عينك ميزانك } والموازنة والاختيار مطلوبة عند التنوع والتمايز بين الأشياء فالعيون حينما تري الأشياء تقيمها في حقيقتها الظاهرية والباطنية وقد يكون مرجعية التقييم حسية بمعني مبنية علي الذوق وهذا يحضر المثل القائل {عينة دليلة } الأمثلة كثيرة والعيون تعبيراتها متعددة حسية ونفسانية وعاطفية وهذا ما يؤكد أصالة وعراقة موروثاتنا حتي وهي تتناول حواس الإنسان تتعامل معها كأدب شعبي يخلد بخلود الزمن .