- خـالـد خميـس السحـاتي
الدبلومـاسيَّة الثلاثيَّة: في ضَوْءِ المُتغيِّرات المُختلفة التي شَهِـدَهَا العَالَمُ مُؤخَّراً، والمُرتبطة بمُعْطَيَاتِ ظَاهِـرَةِ العـولمة، (سياسيّاً واقتصاديّاً وثقافيّاً واتِّصاليّاً..)، وانعكاسها على الوظيفة الدبلوماسيَّة، كما التي سَلَفَ الحَدِيثُ عن بعضها في المقالات
السَّابقة، تَصَاعَـدَ الجَدَلُ فِي السَّنوات المَاضِيَةِ حَوْلَ مُصطلح “الدبلوماسيَّةالثلاثيَّة”
(Triplomacy)، حيثُ يَرَى بَعْض
الباحثين أنَّ الدكتوره/ ديبرا ناتر(Deborah Winslow Nutter)، عميدة كلية فليتشر للدراسات الدبلوماسية بجامعة جورج تاون، تناولت مُصطلح “الدبلوماسيَّة الثلاثيَّة”.. وتُجادلُ ناتر بأنَّ السُّؤال حول حقيقة موت الدبلوماسيَّة؟، (وفقًا لكاتب العُمُود في صحيفة نيويورك تايمز روجر كوهين) هُو سُـؤالٌ خاطئٌّ؛ بينما يجبُ أنْ يكُون السُّؤالُ الصَّحيحُ هُنا هُـو: ما مدى فاعلية الدبلوماسيَّة والدبلوماسيين التقليديين في أسلوبهم وطريقتهم في حلِّ المشاكل والصِّراعات بصُورةٍ سلميَّةٍ، وخلاَّقةٍ، ومُبتكرةٍ، في هذه اللحظة من التاريخ التي بزغ فيها عددٌ كبيرٌ من الفاعلين والمُؤسَّسات (الرَّسميَّة منها وغير الرَّسميَّة)، ويزدادُ معها العالمُ تعقيداً وتشابُكاً؟. والمقصُودُ بالدبلوماسيَّة الثلاثيَّة: “نمُوذجٌ مُعقَّدٌ ومُركَّبٌ، يتكوَّنُ منْ عدَّة حلقاتٍ، تتحرَّكُ في اتجاهات ومداراتٍ مُختلفةٍ، لكنَّها في النهاية تصُبُّ في بوتقةٍ واحدةٍ، (مثل النظام الشمسي)، وهي (المصلحة الوطنيَّة)”.
هذا النمُوذجُ اسمُهُ (تريبلوماسي)، ويعني أنَّهُ بسبب الطبيعة الجديدة للنظام العالمي، فإنَّ الدَّولة الوطنيَّة بكُلِّ قُدراتها وإمكانيَّاتها، وفي سبيلها لتحقيق مصالحها القومية لم تعُد قادرةً على تحقيقها بالاعتماد فقط على “الدبلوماسيين التقليديين”، وهُو ما يتطلبُ منها البدءُ في تسخير وتشجيع ودعم مُشاركة مُؤسَّساتها الحُكُوميَّة المُتعدِّدة، والقطاع الخاص، والشركات الصناعية، والمُنظَّمات غير الحُكُوميَّة، والمُؤسَّسات الدَّوليَّة، من جميع المجالات، والتخصصات والاهتمامات، والاستفادة من قدرات هذه الأطراف والمؤسسات على العمل والتعاون في تحالفات عابرة للمُؤسَّسات وللهيئات، والنظر للأُمُـور بصُورةٍ مُتعـدِّدة الجوانب والشُّمُوليَّة. ومن خلال مطالعة بعض الكتابات في هذا الصدد يلاحظ أنها تعبر عن ضرورة استيعاب الوظيفة الدبلوماسية المُعاصرة لمُعطيات ظاهرة العـولمة، وخصوصا ثورة المعلومات والاتصالات، التي ساهمت، وعلى نحو واضح، في زيادة دور وتأثير جماعات الضغط والمصالح والمؤسسات الاقتصادية في صياغة المهام والتوجهات الدبلوماسية في عالمنا المعاصر. ومن أمثلة الدبلوماسية الثلاثية: بعض القضايا العالمية الهــامة، كالأمـــن، والبيئة، وحقوق الإنسان.. وغيرهـــا.
ومنْ وِجْهَةِ نَظَرِ مُؤيِّدِيهَا، تُقدِّمُ “الدبلوماسيَّة الثلاثيَّة” عدَّة إنجازاتٍ مِنْهَا مثلاً: أنَّها نجحت في تحويل المُمارسة الدبلوماسيَّة منْ كونها مُجرَّد عمليَّةٍ اتِّصاليَّةٍ بين الحُكُومات وبعضها بعضاً، إلى أنْ تكُون عمليَّة تفاعُليَّة بين الحُكُومات وبعضها بعضاَ، وبين الأفراد، وبقيَّة الجماعات السِّياسيَّة داخل الدَّولة وخارجها.. إنَّ هذا النوع نجح في تخطِّي “الدبلوماسيَّة الشعبيَّة” عبْر التعامُل ليس فقط مع الجماهير الأجنبيَّة في الخارج، ولكنْ أيضاً مع المُجتمعات الافتراضيَّة على شبكات التواصُـل الاجتماعيِّ.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الدبلوماسية الثلاثية تتطلب الصوت العالي، والتصريحات العلنية، كما أن التفكير بطريقة الدبلوماسية الثلاثية سوف يمكن قادة العالم من التعامل بفعالية وديناميكية مع المشهد الدولي المتغير والمتحول في أي مجال من المجالات والقضايا ذات الطابع والأهمية العالمية.. وللحديث بقية..
للمزيد انظـــر:
Deborah Winslow Nutter, “Why ‘triplomacy’ is the new diplomacy?”, https://globalpublicsquare.blogs.cnn.com/2013/08/08/why-triplomacy-is-the-new-diplomacy/
أحمد محمد أبوزيد، “دبلوماسية جديدة لعالم جديد: الجدل النظري حول تطور وسائل العمل الدبلوماسي”، مجلة: دراسات دولية، العراق، جامعة بغـداد، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، العـدد: الثالث والستون، تشرين الأول2015م، ص ص 211-234.