الوعي المجتمعي والسلطة السائدة

الوعي المجتمعي والسلطة السائدة

  • د :: سالم الهمالي

تختلف المجتمعات عن بعضها وتتمايز في امور كثيرة، مِن اهمها درجة الوعي المجتمعي والإقرار بالسلطة السائدة. هذان المفهومان يحددان كيف تستجيب هذه المجتمعات وتتعامل مع الهزات العميقة التي تنتابها من حين الى آخر. ولتقريب الصورة اضرب مثلا بأضعف دولة في العالم وأقواها.

هل يحتاج احد للتخمين، ما هما الدولتان ؟!

بالطبع هناك مَن سيجادل في الطرح، وبالتأكيد يحمل “جينات ليبية خالصة”، كيف لا، وهو لا يعترف ان بلاده اليوم هي فعلًا اضعف واوهن دولة في العالم … دولة غنية جدا، بمساحة شاسعة، غير مديونة، شعب قليل، دين واحد، يتكلمون لغة واحدة، … مع ذلك فيها الحرب الوحيدة في العالم التي تمول من خزينة واحدة، يقتل فيها ليبيون، بالبنادق والصواريخ والمتفجرات والطائرات التقليدية والمسيرة في الداخل ومن وراء البحار.

تعرضت ليبيا الى هزة وزلزال عنيف سنة ٢٠١١، كشف الغطاء ان تضخم “للشخصية الليبية” بشكل رهيب، أوهمها أنها تحرك العالم وتبهره ببطولات لم يشهد العالم لها مثيل من قبل، وكأن ما تفعله تلك الدول متمثلا في نشاط رؤساءها وحكوماتها وجيوشها على الارض في ليبيا كان حلما وضربا من الخيال. تلك الشخصية المنتفخة، لا تدرك عجزها وقصورها مندفعة بقوة وسرعة لتدمير نفسها بنفسها، والعالم يتفرج ويقول: شعب ابهر العالم !
لا ولن ادخل في تفاصيل الصراع الدموي العنيف على (السلطة والثروة والقوة) متلبسًا عباءة الدين والوطنية الذي يسحق ويمحق ليبيا ارضا وشعبا، يكفي الطريقة التي تعامل بها الليبيون مع وباء كورونا، الذي شلّ العالم اجمع، بتجاهل وتهاون وانكار للتدليل على درجة الوعي المجتمعي، التي ولا شك ابهرت وتبهر العالم الجمع، مندهشًا امام هذا الشعب العظيم.

بمستشفيات متهالكة وقطاع عام مدمر، وعشرات الالاف من المرضى الليبيون يتقاطرون على مصحات ومستشفيات تونس وصفاقس وبن قردان والقاهرة والاسكندرية واستانبول وبرلين وروما، وشبه انعدام للخدمات الصحية الاولية التي زادت في السوء نتيجة الحروب المدمرة خلال عشر سنوات وما سبقها من سياسات اعاقت تطور القطاع الصحي في ليبيا، يواجه الليبيون وباء كورونا بالاستهتار والاستهزاء.

منهم من قال: لا تلتفتوا الى الذين يقولون لكم هذا وباء، وهذا كيت وكيت، يريدون ان يلهكوم عن ما هو اهم !!

ومنهم من قال: لا تصدقوا ما ينشرونه من إشاعات بظهور حالات الوباء، انهم فاسدون يريدون ان يخربوا عليكم النعيم والفردوس الارضي الذي ترفلون في فيافيه … يريدون سرقة خمسين مليون دينار، لا اكثر ولا اقل

ومنهم من يقول: أعطونا الاسماء ونتائج التحاليل والشفرة الجينية، وكأنهم علماء معهد باستير الفرنسي او كوخ الالماني، وما عندهم غير علم ومعرفة في (اللقني، وطاف عطيه).

ومنهم من يقول: أنها مؤامرة… نعم مؤامرة القوى السوداء والخبيثة التي تريد ان تدمر ليبيا وتقضي على النهضة والعمران، وشواهده في كل مكان.

غياب الوعي المجتمعي، يجعل كل فرد يغني على ليلاه، لا تنجح معه اي عملية او وسيلة لأنتاج سلطة سائدة يذعن لها الناس في حالة الرخاء في الاغلب، ودائمًا عند الشدة. تواجه ليبيا اليوم اخطار متعددة ومهولة، ليس بضعف في كيانها فقط، بل غياب للسيادة والقوة السائدة، والاهم من ذلك ضعف الوعي المجتمعي، وهو الجدار الاخير لحماية الأوطان من التفكك والاندثار.

ما تواجهه أمريكا اليوم هو التحدي الاخطر في تاريخها، لا يقل عمَ يمر به الشعب الليبي بل هو ادهى واعظم، انتشار الوباء نتج عنه انكماش وركود إقتصادي رهيب، و عشرات الملايين من العاطلين عن العمل مع فاتورة فيها اكثر من مئة الف وفاه وملايين المصابين. فوق ذلك، بدأت ارهاصات العنف المجتمعي ثورة على اوضاع معيشية عميقة عند شريحة من اعراق المجتمع الأمريكي.

المقارنة بين النقيضان لها ميزات مهمة، اذ تظهر بجلاء كيف يتصرف كلاهما في مواجه معضلات، ينجح فيها طرف ويفشل الآخر …وتظل المراهنة على الخروفسور “الهمندعي” للخروج بليبيا من أزمتها، …….. فقط لو استطعنا اقناعه: ان حالات وباء كورونا في سبها ليست نكتة ولا خدعة ولا مؤامرة بل حقيقة لا ينكرها إلا عالم بدرجة (خروفسور) …

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :