- د.بسام الخالد
مع حلول العيد وموجة ارتفاع الأسعار، بدأت أفكر بجدية في الموضوع الاقتصادي، على المستويين الشخصي والعام، وقادني تفكيري إلى الأعباء المادية المترتبة على كل السوريين منذ بدء الأزمة وتفاقمها المستمر مع سنوات الحرب الثماني إلى أن شهدت الليرة السورية، في الفترة الأخيرة، انخفاضاً حاداً وسريعاً في قيمتها أمام الدولار الأمريكي لم تعرفه البلاد منذ بدء الأزمة عام 2011، تجلى في تدهور العملة المحلية وظهر في ارتفاع جميع السلع والمواد، سواء كانت سلعاً رئيسة أو تكميلية، في وقت لا تزال طبقة كبيرة من الشعب السوري تعمل في وظائف الدولة وتتلقى رواتبها بالعملة المحلية، التي أصبحت قوتها الشرائية لا تتناسب مع الواقع الاقتصادي السوري مطلقاً. اليوم يشهد السوريون حالة اقتصادية – اجتماعية بطلها “الدولار” الذي تغلغل في كل مفاصل الحياة السورية، فبعد كل ارتفاع لصرف الدولار أمام الليرة السورية تنتقل عدوى غلاء الأسعار إلى معظم محالنا التجارية والخدمية، ولم يعد أي تاجر أو صاحب مهنة أو بقال أو جزار أو خضرجي أو بائع خرداوات، يتعامل مع المواطن إلا بحسب سعر الصرف المحسوب على أساس الدولار وكل منهم يضع التسعيرة الخاصة به دون حسيب أو رقيب، وهنا يجب ألا ننسى الطبيب والمخبري والميكانيكي والنجار والحداد وأصحاب البيوت المؤجرة، والكثير غيرهم، من الذين رفعوا أسعار سلعهم وأجورهم وفق سعر صرف الدولار وحمى جنونه، مع أن معظم التجار يخزنون بضائعَ منذ زمن ولم يستوردوا صنفاً جديداً بل احتكروا ما لديهم وأطلقوه صواريخ موجهة في وجه المواطن عند جنون الأسعار وبخاصة في المناسبات والأعياد، والجميع يقسم أغلظ الأيمان أنه يستورد بالدولار ويدفع إضافات لتخليص بضاعته من الجمارك وتكاليف نقل وشحن وحواجز وغيرها.. وهمّه الوحيد تأمين السلعة إلى المستهلك، فهل يبيعها بخسارة؟! لقد بات المواطن في حالة انعدام وزن وهو يفكر كيف سيتدبر أمر معيشته اليومية في ظل هذا الغلاء الذي فرضه سعر صرف الدولار مقابل الليرة السورية، وعجز المصرف المركزي عن ضبط سعر الصرف على الرغم من تدخلاته الخجولة في السوق وسياساته الاقتصادية الفاشلة، التي لا تسهم في تلبية حاجات المواطن، في بلد يعيش حالة حرب، الأمر الذي جعل ما يزيد على 80% من الشعب السوري يعيش تحت خط الفقر. لنعترف بادئ الأمر أن ثمة نتائج سياسية معاكسة تؤثر على قيمة الليرة السورية، فلعبة تراجعها المقصودة تهدف إلى ضغط سياسي على الدولة السورية للدخول في تسويات سياسية، وفق قواعد اللعبة الدولية والإقليمية، فضلا عن حالة الحرب التي تعيشها البلاد، وما زالت، ناهيك عن المقاطعة الاقتصادية المطبقة على سورية، وضعف الاحتياط النقدي للعملة الصعبة في خزينة الدولة، وتكالب التجار على الدولار، وقيام ” الحيتان” بتهريب الليرة إلى خارج البلاد وتحويلها إلى الدولار، والأهم من ذلك الفجوة الواسعة بين سعر صرف الدولار الرسمي وسعر صرفه في السوق السوداء، لكن هل هذا هو السبب الوحيد؟! ثمة أسباب أخرى أهمها: غياب التخطيط الاقتصادي السليم لإدارة الأزمة بالدرجة الأولى، وعدم محاسبة تجار الأزمات والحروب والمتلاعبين بقوت الشعب بالدرجة الثانية، والتراخي في اجتثاث الطبقة الفاسدة والمفسدة والمافيات التي أفرزتها سنوات الحرب بالدرجة الثالثة.. والرابعة.. والعاشرة.. وهذا لم يحصل ولم يلمسه المواطن الذي كل همه تأمين قوت أسرته بأدنى درجات الكفاف! كل من يعمل عملاً حراً يتقاضى أجره وفق الأسعار الرائجة، بحسب العرض والطلب، بدءاً من عامل السباكة وصولاً إلى التاجر الذي لا تتغير نسبة أرباحه في كل الحالات، ما عدا الموظف صاحب الراتب الثابت، فهو مضطر أن يدفع صاغراً بحسب الأسعار الرائجة من راتبه المحدود الذي لا يكفيه لمدة أسبوع في أعظم الحالات.. والسؤال الهام .. كيف يتدبر أموره لآخر الشهر.. الجواب لدى المخططين وأصحاب القرار.. مع أننا نستبعد، حتى الآن، الرشوة والسمسرة وسرقة المال العام والاختلاس وفساد المنظومة الإدارية في الوزارات والمؤسسات؟!