- حاورها :: سالم الحريك
سيرة ذاتية ومهنية زاخرة بمجالات عدة وتجارب مختلفة شغوفة بأدب الرعب والمغامرات منذ الصغر وأرادت تقديم نوعٍ جديد من أدب الرعب للقارئ العربي. تحارب النوم والفراغ بكل ضراوة ما يمنحها وقتاً كافياً لزيادة إنتاجها الأدبي والفكري بعيداً عن النمطية والتكرار فتكون بذلك مبدعة بمعنى الكلمة ، حوارنا مع الكاتبة والمترجمة العراقية رثد نيازي.
بداية من هي رثد نيازي. وكيف تقدمين نفسك للقراء الكرام ؟
انا رثد نيازي، كاتبة ومترجمة عراقية. اخوض مجال الأدب في الرعب والجريمة والخيال العلمي ولطالما احببت هذا الصنف الأدبي منذ صغري.
كما اعمل مترجمة منذ 9 سنوات مضت. شغفي في الرعب بدأ مع مطالعتي لأنثولوجيا الرعب الأمريكي الذي قدمه لنا اوغست درليث 1969 تحت عنوان (عندما يستيقظ الشر) وكان ذلك حين كنت في الرابعة عشر. فقد فتح هذا الكتاب آفاق في عقلي وروحي لأخوض أدب الرعب، وبذلك أخذ عقلي يسطر ما على يدي أن تكتبه، وكذلك ما قدمته أجاثا كرستي من كتابات رائعة في مجال الجريمة، وما قدمه الدكتور العراقي طالب ناهي الخفاجي في مجال الخيال العلمي، في العمر ذاته. كل من ذكرتهم بالإضافة لآخرين ساعدني في الوصول إلى ما يكمنه عقلي من ميول أدبية وبذلك، أحببت أن أقدم نوعاً مختلفاً من الرعب والجريمة في أدبنا العربي، فالرعب عندي بعيد بعض الشيء عن الرعب والفانتازيا المنشرة في أدبنا والتي أبدع فيها العديد من الكتاب على رأس قائمة اسمائهم الجميلة الدكتور المرحوم أحمد خالد توفيق. أما من ناحية الترجمة، فقد عانيت ما عانيت في البحث عن كتب تناسب عمري حين كنت في عمر الناشئة وبذلك اضطررت أن اقرأ كتب تتعدى عمري العقلي حينذاك، وبذلك وهبت نفسي لإثراء أدب الناشئة بما استطيع ترجمته من روايات تساهم في ثقافة الناشئة وبذلك ترجمت، ولازلت مستمرة، العديد من الكتب العالمية لهم، ومن ضمنها روايات الكاتب العالمي روالد دال. ومع أدب الناشئة، انا اترجم كل ما هو نافع أن شاء الله، وعلى وجه الخصوص التاريخ القديم كوني قد عملت لسنوات عديدة في المجال المذكور كمترجمة.
أثناء استهلالك في التعريف بنفسك ذكرتِ بأنك كاتبة أولاً سنأتي للخوض في جانب الترجمة فيما بعد. ماذا تعني لك الكتابة على كل حال؟
الكتابة بالنسبة لي هي إيجاد نفسي وشرح أفكاري وأن أكون جزءً من شيء آخر حتى وأن كان غير موجود ربما على أرض الواقع بشكل تام. هي شغفي والمال لا يمثل لي شيئاً مهماً، فغايتي تتمثل في الخروج من عالم نعيشه والسقوط الجميل في هاوية رائعة لعالم آخر يرتفع فيه مستوى الادرنالين، وتزاداد فيه نبضات قلبي وقلب القارئ لما تحمله كتاباتي من خوف وجريمة واحداث خيالية تفجر فيَّ قدرة على استنشاق هواء منعش أو تجعلني اسمع صوت تكسر أوراق الأشجار الجافة تحت اقدام شخص هارب، متسلل من حدث ما. إنها التناقض المذهل، الخوف المحبب للنفس أو الجريمة التي تشغل العقل، أو الخيال الذي يذهلنا ويجعلنا نفكر بمصير الأرض والإنسانية. الكتابة شفيرة سرية، هي شيء يتعدى الكلمات، نبع الخيال الجامح الذي يجعلني، وغيري بالتأكيد من الكتاب والقراء على حد سواء، انغمس في لحظات أنطلق فيها بخيال قد يعيدني إلى العصور الوسطى أو يرسلني لأماكنٍ يتجمد فيها الدم في القلب فأواجه فيها كائنات تتخطى ما عهدناه من أشباح وأرواح وجان ومصاصو الدماء وغيرها، هنالك فيها ما أسميته (وجود) وهو شيء لا يمت بصلة لأي شيء عرفناه حتى الآن، هو شيء لا يمكننا فهمه بعد. لذا، فهي متعة لعقلي وروحي وجسدي أيضاً
من ضمن ترجماتك المختلفة كما أشرتِ مجموعة منها للكاتب العالمي روالد دال. ما أكثر ما يعجبك في رواياته مما دعاك لترجمة أكثر من عمل له ؟
روالد دال هو أحد أبرع من كتب في مجال أدب الأطفال والناشئة بالإضافة إلى غنى لغته في التعابير التي تجعل القارئ يخوض عالم الخيال إلى حد بعيد. أن الأوصاف التي يقدمها روالد دال في رواياته جعلتني أميل ترجمة نتاجه أكثر من غيره من الكتاب، وهذا لا يعني بأني لا أقدم على ترجمة أعمال كتاب آخرين. يقدم روالد دال خيال رائع للأطفال والناشئة، فهو يميل لتقديم ما يفكر فيه من هم ضمن الفئة العمرية المذكورة، فعلى سبيل المثال يصف الحشرات التي تأخذ جيمس في (جيمس والخوخة العملاقة) حين تكون الحشرات فيها بحجم البشر ودودة بالطبع، وعادة ما يراقب الصغار الحشرات، أو يفكروا في ما لو أصبح حجمهم صغير ويمكنهم استكشاف عالمهم، أو في الرواية ذاتها يقدم وصفاً رائعاً لما هو في الغيوم، فاليافعين يفكرون عادةً بالسماء وما تحتويه، وقوس قزح ومغامرات يقدمها بوصف لا يمكن أن نقدم له رد فعل غير الدهشة!
ذكرتُ هذه الرواية على سبيل المثال لا الحصر كي لا أطيل في الشرح. يميل روالد دال لبيان الجانب الذي عادة ما يلفت نضرنا وفكرنا قبل أن نصل سن الرشد، ففي (ماتيلدا) نجد عالم المدرسة والمعلمين ومغامراتنا الصغيرة فيها قد تضخمت، وفي (السيد ثعلب الرائع) نجد مغامرات الحيوانات ضد الأشرار والجشعين وكيف هي سبل النجاة وما هي القسوة ضد الحيوانات وكيف علينا نصرتها وحمايتها، وغيرها الكثير، وفي (تشارلي ومعمل الشوكولاتة) نجد الاطفال في عالم من مصنوع من الحلويات!
وبذلك فقد اُعتُمِدَت روايات روالد دال ضمن المناهج الدراسية في بريطانيا، لما تقدمه من محتوى أدبي وتحفيز للخيال والفكاهة والمتعة علاوة على المفردات اللغوية الغنية. وأنا لأعجب من عدم ترجمة أعماله كاملة حتى الآن إلى اللغة العربية، فكاتب حصل على العديد والعديد من الجوائز الأدبية وبيعت أكثر من 250 مليون نسخة من كتبه وترجمت إلى أكثر من 58 لغة، حريّ بنا ترجمة أعماله لإثراء عقول الأطفال والناشئة.
وأخيراً، قد أنتجت السينما العديد من الأفلام بناءًا على رواياته مثل فيلم (ماتيلدا، السيد ثعلب الرائع، تشارلي ومعمل الشوكولاتة، العملاق، الساحرات، جيمس والخوخة العملاقة).
سيرتك الذاتية والمهنية زاخرة بمجالات عدة وتنوع وتجارب مختلفة. كيف تجدين الوقت لذلك وهل يعتبر هذا إثراء وعامل مساعد لك في عملية الترجمة؟
من يطمح لتحقيق أحلامه ويصبو نحو جعلها أمراً حقيقياً عليه أن يخلق من حياته وظروفه مهما كانت سيئة إلى درجة استثنائية وقتاً يُمكنَه من نيل مُراده.
أنا أحارب النوم وأحارب مشاهدة التلفاز لأوقات طويلة، وأحارب الثرثرة والزيارات المطولة والانشغال بالأمور التي لا تقدم نفعاً لي فأنا أردد دوماً (اللهم أني أعوذ بك من عمل لا ينفعني). بالإضافة لما ذكرت، فتنظيم الوقت هو العامل الأساسي الثاني بالإضافة إلى الطموح. بتنظيمنا الوقت تصبح الحياة أكثر يُسراً.
أما عدم خضوعي لأي معوق يعترضني، فهو صلابة قراري. جميعنا نواجه، كحال البشرية جمعاء، ما قد يثبط عزيمتنا، غير أني أجعل كل معوق وراء ظهري ولا أفكر فيه قدر تفكيري في المضي إلى الأمام والإصرار على تحقيق أمنياتي المتمثلة بالدراسة والترجمة والكتابة وأن يُخلد أسمي ضمن من قدموا ولو الشيء البسيط للبشرية، والأخيرة هي أمنيتي الكبرى فلا أرى وجوب الحياة أن لم نساهم بشيء ما لمساعدة غيرنا في أي مجال كان.
تقولين بأنك في كل مرحلة تتأثرين بكاتب أو مفكر معين وفي فترة ما قرأتِ أيضا لكل من فرويد ورينيه ديكارت وعالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي. هل من الممكن أن نرى لك أعمال سواء مترجمة منك أو من كتابتك في كل من الفكر والفلسفة والاجتماع بعيدا عن أدب الرعب والجريمة والمغامرات؟
أن شاء الله سأترجم في مجالات أخرى تتضمن الكتب العلمية والفلسفية وغيرها، أما الآن فقد ترجمت مجموعة من كتب التاريخ القديم والتي ستصدر هذا العام 2020 أن شاء الله. انا برأيي أن لا نلتزم بترجمة نوع معين أو مجال معين من الفكر بل أن ننوع اختياراتنا فهنالك ما لا يحصى من الكتب النافعة والمهمة في شتى المجالات.
ما تقييمك لواقع حركة الترجمة في اللغة العربية سواء منها والى اللغات الأخرى أو من اللغات الأخرى إليها ؟
على المتمكنين لغوياً ومن لديه/ لديها القدرة على الترجمة السعي في خوض عالم ترجمة الكتب، فلا توجد مقارنة بين مقدار الترجمة إلى العربية وبين الترجمة إلى اللغات الأخرى ممن يقدمها من غير العرب.
انا احيي شعب شقيقتنا مصر العربية لسعي مترجميها في تقديم كل ما هو جديد فما اراه من عمل دؤوب من قبلهم يُسري في روحي السعادة. فشكراً لكل من يساهم في الترجمة.
على أي أساس تضعين أولويات الأعمال التي ستقومين بترجمتها من وإلى العربية؟
كما ذكرت مسبقاً اني عانيت في إيجاد ما يناسب مطالعتي في عمر الناشئة، رغم ما قدمته مشكورة الست سناء عاشور كاظم القريشي، صاحبة المكتبة آنذاك في محافظتي (واسط/ العراق) حيث قدمت لي كل ما يمكنني استيعابه من روايات عالمية وكتب، وبذلك عرفت حق المعرفة ما عليَّ تقديمه للأجيال باللغة العربية.
كما عملت لسنوات عديدة كمترجمة في مجال التاريخ القديم وبذلك وجدت الكثير مما يتوجب علينا الإطلاع عليه فالتاريخ القديم له أهمية بالغة لفهم ما نحن عليه وما قد يؤول إليه المستقبل بالإضافة لعديد من الأمور الأخرى التي تتضمن فهم طبيعة الشعوب والتقاليد. وبذلك قد وضعت أولوية ترجمتي ضمن أدب الناشئة والتاريخ القديم.
برأيك ماهي الخطوات التي تنصحين بها كبداية لمن أراد خوض مجال الترجمة. واي الأعمال التي يبدأ بها؟
هنالك العديد من الأعمال الادبية التي تستحق الترجمة ولم تترجم بعد إلى العربية. في بداية خوضي لمجال الترجمة لم ابحث عن كتب صدرت حديثاً لما فيها من حقوق نشر وترجمة، لذا انصح من يبتدأ المجال أن يبحث عن الكتب التي انتهت الحقوق عنها فبذلك يخفف عن نفسه مشاق الحصول على الحقوق. وأن يتوكل على الله القوي أن يستمر في الترجمة بإلاضافة إلى اختيار كتب بلغة سلسة لا معقدة كي لا يعتريه الإحباط، فترجمة كتاب كامل ليس بالأمر اليسير الذي ينتهي بيوم أو يومين.
ما الأيسر بالنسبة لك ترجمة الأعمال الإبداعية أم غيرها من الأعمال؟
في حقيقة الأمر، أن كنت أنا أم غيري من المترجمين، لا يمكن أن يتمكن المترجم من الوصول إلى المستوى اللغوي العالي في شتى المجالات. فقد يكون المترجم قد خاض ترجمة علمية تخص الفيزياء على سبيل المثال وبذلك تمكن من مفرداتها ومصطلحاتها، أو اتجه نحو التاريخ او علم الأحياء المجهرية والأدب وتمكن منها. وبذلك فالأمر معتمد على ممارسة ترجمة. أي الخبرة والقدرة وصعوبة النصوص وبساطتها بالنسبة للمترجم تنبع من مقدار ممارسته للترجمة في مجال معين أو عدة مجالات. لذا فأنا قد اتجهت إلى ترجمة الأخبار العلمية والتاريخ القديم والجغرافيا والأدب والاقتصاد منذ سنين عديدة، فأصبحت هذه المجالات يسيرة لي ضمن اطار الترجمة وليس هنالك أي فرق يذكر بينها ضمن المستوى اللغوي لديَّ.
لم تبقي في الترجمة كما هو معروف وشائع في الترجمة التقليدية بل تعدى الأمر إلى كتابة لغة تحت إسم اللغة الأوزورية وهي خليط بين عدة لغات وربما لأول مرة كاتب عربي يعمل على إنشاء أبجديات لغة جديدة. كيف تصفين لنا ذلك وماذا يعني لك كل هذا؟
نجد ر. ر. تولكن وديفيد بيترسن وغيرهم من اللغويين الغرب قد قدموا شيئاً جميلاً ضمن اللغات الأدبية والتي تعني خلق لغة خاصة وجديدة وغير موجودة مسبقاً لتستخدم كلغة قوم او مجموعة من الناس أو الكائنات في رواية معينة، الأمر الذي يضفي حيوية وقوة للرواية. ولكن وللأسف الشديد لم يكتب أحد في الأدب العربي لغة خاصة، ولما يعانيه هذا الجانب في الأدب من شحة قدمت في ملحمة اوزيروس في الكتاب الثاني بعنوان (ملعون انترياس) للكاتبة العراقية مريم محمد، وهو ملحمة فنتازيا، لغة أدبية وهي اللغة الازورية نسبةً إلى متحديثها وهم الازوريون. وتضمنت هذه اللغة خلق قواعد خاصة بها اشتققتها من الإنكليزية والعربية، واصوات اخذت بعضها من العربية والآخر من الكوردية السورانية والفارسية والإنكليزية.
كما استمديت طريقة الكتابة والقراءة من اليابانية وعلى وجه التحديد التقليدية (تاتيغاكي Tategaki) اي العمودية ومن اليسار نحو اليمين. وبذلك وضعت الاصوات والقواعد وطريقة الكتاب وقدمت الابجدية والنصوص في الكتاب الثاني من الملحمة وفي الكتاب الثالث يستوفر في الملحق أيضاً قاموساً بالإضافة إلى الابجدية التي تضمنها الكتاب الثاني. أما اهمية كتابة لغة ادبية بالنسبة لي فهو وكما هو في مجالات أخرى، علينا مساعدة أدبنا بكل ماهو جديد بالنسبة له. فلابد للمواكبة، ولما لي من قدرة على خلق لغة وبحكم اختصاصي، قدمت الازورية
كلمة أخيرة في نهاية الحوار؟
سأبقى أردد كما افعل منذ أعوام: (لن اتوقف عن الترجمة والكتابة حتى يوافيني الأجل.)