. د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري
شجاعة العقول
يقول أمير الشعراء أحمد شوقي “إنَّ الشَّجاعةَ في القُلوبِ كَثيرةٌ :::ووَجدتُ شُجعانَ العُقولِ قَليلا” من أعظم أدوات الأمم المتحضرة في البناء والتشييد استثمار طاقات الشباب وحماسهم وعنفوانهم ومران عقولهم على ثقافة التغيير وأدب الإختلاف وشجاعة النقد بينما الأمم المتخلفة هي من تقف مكتوفة الأيدي معصوبة العينين عن استثمار هذه الثروات واستغلالها وتوظيفها والبناء عليها. ولكن كيف التواصل مع الشباب وفهم احتياجاتهم ؟!ما هي أحلامهم وامانيهم ؟كيف نستطيع أن نرى ذلك؟ وكيف نشيد قنوات اتصال فعالة معهم ؟وكيف نوفر لهم آليات عصرية للتعبير عن آرائهم ومواقفهم ؟! لأول مرة أجد ماضينا أكثر رفعة وبهاءا وتقدما من واقعنا في هذه المسألة فقد كانت رؤى الشباب وتطلعاتهم حاضرة وقريبة ومسموعة وإن تركت مهدرة أحيانا كثيرة ولكن فكرة الحضور والتواجد الدائم في حد ذاته مكسب هام كان يمكن الاستمرار فيه والبناء عليه . كانت وسائل الاتصال في الماضي بين الطالب والأستاذ وبين الطالب والمجتمع في غير أوقات الدراسة هي الصحف والمجلات المدرسية والجامعية والتي كانت تصدر بانتظام بالمدارس والجامعات لتكون لسان حال الطلبة والمعلمين ..وكان يستدعي ذلك الالتزام باللغة العربية الفصحى وتقديم قصص تدعو للقيم والأخلاق وبعض الألغاز التي تنشط الذهن .الصورة لم تكن دائما مثالية فحينما أجد أمير الشعراء الذي استشهدنا بكلماته في بداية الحلقة يروج لنوع من السجائر الوطنية مثلا بمجلة الكواكب في سبتمبر عام 1932 قبل شهر من وفاته تحت عنوان فج ” رأي أمير الشعراء أحمد شوقي بك في سيجارة آمون لشركة محمود فهمي يملكها ويديرها جماعة من خريجي التجارة العليا” فلا يسعني سوى الحزن فالمشاريع الشبابية الوطنية التي تبني مجد الوطن وعلينا دعمها بأشعارنا وكتاباتنا للإقبال عليها مسألة نبيلة لكن ليست بطبيعة الحال فيما يخص السجائر وتزيين الإتجار فيها وفي الحض على التدخين الذي يقوض صحة الشباب ويدمر حياتهم ولنستعرض معا الإعلان المنسوب لأمير الشعراء : “آمون سيجارة مصرية صميمة فلها من هذه الصيغة لذة يجدها كل من يعرف ما لتجارة الدخان فى هذه البلاد من الرواج والانتشار، ويتمنى أن يأخذ المصريون بنصيب من خيرات التجارة، هذا غير اللذة التى نجدها نحن المدخنين وأنا أؤكد لك ان هذا الصنف الجديد من خير ما يدخن تأليفا وصنعة وجودة تبغ” نعود لموضوعنا كانت أقدم المجلات المدرسية هي (روضة المدارس المصرية) والتي صدرت عام 1870 و أوكلت رئاستها لرفاعة بك الطهطاوي ناظر قلم الترجمة بديوان المدارس (أحد خريجي بعثات محمد علي باشا لفرنسا إنه عائد الاستثمار في القوى البشرية يا سادة لا يذهب هباءا ) وضمت من الكتاب علي فهمي بك ابن رفاعة بك مدرس الإنشاء بمدرسة الإدارة والألسن والشيخ حسونة النواوي شيخ الأزهر وعلي باشا مبارك ناظر المعارف والمسيو هنري بروكش مدير مدرسة اللسان المصري القديم وغيرهم …لا تندهش عزيزي القارىء من اللسان المصري القديم فالحضارة الفرعونية واللغة القبطية كانتا موضع اهتمام كبير قديما في مصر فنجد كتاب قواعد اللغة المصرية القبطية للدكتور جورجي صبحي عام 1935 (طبعة وزارة المعارف العمومية) وكتاب المطالعة والمحاورات العصرية في اللغة القبطية للسيد عبيد شنوده 1948 وقصص القدماء المصورة وضع ابراهيم نمير سيف الدين المفتش بوزارة المعارف 1938 . للأسف لا يوجد أرشيف لهذه المجلات المدرسية والجامعية إلا اليسير منها ولقد تجمع لدي العديد منها عبر هوايتي في الشراء من باعة الكتب القديمة لكنها ليست مكتملة الأعداد بطبيعة الحال لذا سأحاول أن أوجز ما يتعلق بها من طرائف لنكون على دراية بلبنات الثقافة والإبداع التي كانت ببلادنا واختفت .
يتبع