حامد الشاوش
..” التزمت الصمت للحظات ثم قلت في نفسي “لنعطي المريض ما بشهوته” وشاركته الحديث قائلا له: – لهذا السبب أردت مقابلتك.. هات لي ما عندك عن بوهيميتك.. ما إن بدأ الحديث قائلا: “البوهيمية تطلق على أي كاتب أو فنان يميل إلى اتخاذ سلوك أو العيش بنمط حياتي غير مألوف، سواء كان هذا سلوكا…..” حتى لفتت انتباهي ربطة عنقه التي تبدو وكأنها تشعر بالاختناق، ربطة عنقه التي تمنيت لو أنها تمتلك مائة من الأيادي وتبدأ كل زوج منها في خنق هذا الرجل ربطة عنقه التي حاولت فهمها إن كانت العقدة البسيطة أم أنها غيرها، تبدو العقدة ممزوجة بين المزدوج البسيط وعقدة ويندسور والنصف ويندسور يكمل الرجل حديثه “بدأ مصطلح بوهيمي الظهور في فرنسا في منتصف القرن الثامن عشر، لوصف أولئك المهاجرين الغجر الذين جاؤوا من رومانيا مارين بمنطقة بوهيميا والتي تعرف الآن بجمهورية التشيك….” وقتها سرعان ما قادتني مخيلتي في رحلة تمنيت لو أنها كانت حقيقة، راقصتني مخيلتي رقصة البولكا على قمة سنيجكا، القمة الأعلى في جبال السوديت، أواصل الرقص في مخيلتي ولم أبالي لحديث ذلك الرجل قفزت بي مخيلتي إلى جبال شومافا، وانحدرت بي على ضفة نهر الأولافا، وعادت تراقصني البولكا مجددا محاذية لنهر الفلتافا وجدت نفسي ذلك المكروماني المنحدر من القبائل الجرمانية ونصبتني مخيلتي ملكا على بوهيميا خلفا لبوليسلاف الأول، وجدت نفسي قائدا لقوات الهوسيت، بدلا عن القائد جان زيزكا، أعظم قادات الحروب في أوروبا، فزت بجميع معارك الهوسيت، شاركت نبلاء بوهيميا ومواطنيها فرحتهم باستقلالهم… في ذلك الوقت قاطع الرجل مخيلتي بقوله: “نحن النُخب لا يبالي الشباب الصاعد لحديثنا ولا حتى لنصائحنا” عندها قلت له: “وما هي النصيحة التي ستهديني إياها؟..” ليخبرني قائلا: “نصيحتي أن لا تقوم بنشر أي شيء، فكل ما مكتوب هنا غير صالح للنشر” وقفت من ثم قلت: “هل لي بسؤالك عن عقدة ربطة عنقك، هل هي العقدة المتصالبة؟” ليقول: “نعم، هي العقدة المتصالبة.. لكن ما دخل كل هذا بربطة عنقي” أخبرته: “إن تنفيذ هذه العقدة معقدة جدا في حلها وربطها، في المرة القادمة عليك بالعقدة البسيطة أو أنصحك بعدم ارتدائها لأن ربطة عنقك تشعر بالاختناق” وقتها غادرت ذلك الرجل الذي كان يمشي متبخترا وهو يحادثني، غادرته وأنا أحمل الكره الشديد لكل أشكال ربطات العنق بل وربطة العنق نفسها. كيف لي أن أتناسى يوم أن خرج علينا رئيس الحكومة بربطة عنق حمراء……. “اللعنة عليك يا هذا.. ألم تستمع لندائنا لك.. ثم ألم تنتبه أن الإبريق من شدة الغليان قد أفرغ كل ما فيه؟” قاطعني صديقي المقرب لي بهذا الكلام ليخبرني مجددا أنني على غير عادتي، وأن العشاء قد صار جاهزا، مع أول ملعقة، وبكل ذلك الكره لربطات العنق، لم يزل عقلي عن التفكير فيما إن كنت من ضمن الأصدقاء أم أنني لم أعد مرغوبا للصداقة.