مفتاح العلوني
حيث الشوارعُ تبدو مثل لصوصٍ أيضاً..
تسرقُ رغبتك في المشي على أرصفتها الخربة..
وتغتصبُ أمنياتك الخجولة
في امتلاكِ شقةٍ صغيرة
تطلّ على ساحات الاعتصام..
حيث الوجوه المتغضنةُ..
والطوابير المليئةِ بشتائمِ الغاضبينَ
وضحكات الفاقدينَ للشغف..
فقرروا اتخاذ الحياةِ على سبيل المزحة..
حيث المساءات المتعبة من نهاراتٍ يابسة..
والحكومات المليئة بوعودٍ تبعث على البكاءِ..
والنساء المستقلات حزنهن صوب
لقمة عيشٍ تستر عري الجوع..
والرجال الذين يسيرون بقلوب حافيةٍ
وفي كل مرةٍ تطأ على يومٍ
حاد ينغرس فيها حتى آخره..
أنت من هذه البلاد..
البلاد التي تعد أهلها بالترف
ثم تلتهمهم في حروب تعرف
من أين تؤكل أكتافهم.. من هنا..
حيث رجل المرور يطلق صفارته
في بداية اليوم معلناً نهايته..
والشائعات تدور مثل حقيقةٍ عصيةٍ عن الشك..
والطرقُ كما الذاكرة..
ناضحةٌ بالحفرِ ولافتاتِ التحذيرِ الباهتة
حيث الأسى.. الذبول.. الغضب..
فتور القلب..
الهروب..
الترقّب..
ومحاولة خداع الحزن بابتسامات
لم تعد تنطلي عليه..
أنت من هذه البلاد يا رجل..
حيث أهلها لم يعودوا قادرين حتى على الشكوى..
أو ترديد نشيدها بفؤادٍ مطمئن..
وحيث أخبرونا أن الخير قادم ثم تبين أنه قد قتل..
أو ربما مرّ خفيةً وخرج من بابها الخلفي..
من هنا أنت..
ولا يمكنك أن تفعل شيئاً غير أن تنوح..
من هنا.. فبيانات الحكومة كثيرة..
ومحاولات خلق الآمال كثيرة..
والركضُ خلف الوقت كثير..
والساسة الفاسدون أكثر..
والأيام ثقيلة..
ونحن لم نعد قادرين على زحزتها ولو قليلاً..
من هذه البلاد..
حيث أكثر من الناسِ يعانقكَ الرصاص..
وتخافُ فيها الفرح..
كأنما أنت مصنوعٌ من الحزن..
والناس الذين ينامون بحزنهِم لا يقومون من أسرّتهم..
بل يسيلونَ من أسفلِها على شكل دمع..
صدقني أنت من هذه البلاد..
حيث أعرف ميتاً يزورنا كل ليلة..
يمشي بيننا بحذر.. يقرأ الفاتحة..
ثم يغلق علينا المقبرةَ.