إذا أصبح العبد وليس همه إلا رضا الله وحده، تحمل الله سبحانه وتعالى عنه حوائجه كلها، وفرج له كل ما أهمه، وفرغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وحقيقة السعادة ومدارها في طاعة الله تعالى، والإيمان به، وإتباع هدي النبي r.
الطريق إلى السعادة:
عن أبي ذر t أنه قال: «أمرني خليلي r بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرًا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش» [رواه الإمام أحمد 5/159].
مقومات السعادة:
ذكر الإمام ابن القيم – رحمه الله تعالى – أن لسعادة العبد ثلاثة مقومات: «إذا أُنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر…».
ثلاث من السعادة:
قال سفيان الثوري (رحمه الله): «ما بقي لي من نعيم الدنيا إلا ثلاث: أخ ثقة في الله أكتسب من صحبته خيرًا، إن رآني زائغًا قومني أو مستقيمًا رغبني، ورزق واسع حلال ليست لله علي فيه تبعة، ولا لمخلوق علي فيه منة، وصلاة في جماعة أكفى سهوها وأُرزق أجرها».
أسباب السعادة:
إن الأسباب التي تحصل بها الحياة الطيبة، ويتم بها السرور والابتهاج، ويزول عنها الهم والغم كثيرة، ومن أهمها:
1- الإيمان والعمل الصالح:
قال تعالى: ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[ [النحل: 97].
فأهل الإيمان يتلقون ما يسرهم بالقبول لها وشكر الله عليها، واستعمالها فيما ينفع، وبالتالي يحصل لهم الابتهاج بها والسرور، ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالصبر الجميل، واحتساب الأجر والثواب , قال r: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له». [رواه مسلم].
2- الإحسان إلى الخلق بالقول والعمل وأنواع المعروف:
فإن ذلك يدفع الله به عن البر والفاجر الهموم والغموم، لكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب، إذ يتميز إحسانه بأنه صادر عن إخلاص واحتساب، فيهون الله عليه بذلك المعروف لما يرجوه من الخير، ويدفع عنه المكاره بإخلاصه واحتسابه، قال تعالى: ]لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[ [النساء: 114].
3- الاشتغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن ذلك يلهي القلب عن اشتغاله بالقلق الناشئ عن توتر الأعصاب، وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم، ففرحت نفسه وازداد نشاطه.
4- اجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر، ويجد ويجتهد في ذلك. قال r: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان». [رواه مسلم].
5- الإكثار من ذكر الله، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وزوال همه وغمه، قال تعالى: ]أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[ [سورة الرعد: 28].
6- النظر إلى من هو أسفل منه، كما قال r: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم». [رواه البخاري ومسلم].
فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيرًا من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله.
7- السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم، وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها.
8- تقوية القلب وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة؛ لأن الإنسان متى استسلم للخيالات، وانفعل قلبه للمؤثرات من الخوف والأمراض وغيرها، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي.
9- الاعتماد والتوكل على الله، والوثوق به والطمع في فضله، فإن ذلك يدفع الهموم والغموم، ويحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور الشيء الكثير.
10- أنه إذا أصابه مكروه أو خاف منه، فليقارن بينه وبين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النعم، وتستريح نفسه وتطمئن.
اللهم أسعدنا بطاعتك، وارزقنا القناعة برزقك وعطائك، وأدم علينا نعمك الظاهرة والباطنة، واجعلها عونًا لنا على طاعتك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
* * *