قيس عمران اخليف

(1)

جلس هادئا يبتسم للبحر، ينظر إليه بشوق، يغمره حزن قاتم، يملأه الحنين إلى الدار والأحباب. يرى مدينته القديمة التي أحب، خلف هذا البحر. يشعر بنفسه وقد اجتاحته الهموم، ولمسه حب الوقوف على اطلال الدار ورسم المكان وتذكر عطر الأحباب.

كانت القوارب تشق عباب البحر، والسفن تغيب عبر الأفق، وهو يحمل شيئا في داخله، يكاد يتفجر قلبه من ثقل ما يحمل. لقد كان الحنين إلى الأصدقاء والأهل والأحباب هو ما يحمله بشير وهو ينظر إلى الموج الذي يتكسر على صخور الشاطئ الممتد أمام ناظريه.

كان بشير في الخامسة والعشرين من عمره، متوسط الطول، نحيف الجسد، ذو شعر أسود وعينان سوداوان، وبشرة سمراء عربية الملامح، يرتدي دائما ملابس بسيطة، يتخلى دوما عن صورة المهاجر الذي يحمل عادات غريبة على عاتقه من الأرض التي جاء منها. لقد كان دائما يقول: أنه ” مثل الطيور المهاجرة لا أحمل معي سوى ذكرياتي التي عشت وماض هو جنتي وحياتي “.

(2)

كان الأمل يسيطر عليه للرجوع إلى مدينته الصغيرة للرجوع لأهله. كانت الذكريات تمر أمامه سواء المحزنة أو المفرحة لإنها كانت بلا شك الشيء الوحيد الذي يعيش من اجله، إلا أنه تذكر نهى؛ تذكرها فجأة وهو في هذا القفص الذي وضع نفسه فيه، تذكر حبيبته القديمة التي أعطته شيئا من الحنان والعذوبة عبر صوتها وكلامها الذي لا يزال عالقا في ذهنه.

لقد كانت نهى من أجمل بنات الحي القديم، ذات شعر لأسود يتموج فوق كتفها بشكل رائع جذاب، وعينان سوداوان واسعتان غاية في الجمال، وجسد ناعم فيه خليط بدوي ودلال وحلو لسان وعقل رصين تضاهي به الفتيات الحسان.

يستيقظ فجأة بعد ارتطام موجة كبيرة بالصخور فتملأ جسده بمياه باردة ترجعه للواقع الذي يعيش.