أنيس البرعصي
الطفل الواقف يمين الصورة هو لاعب تم استبعاده في مرحلة التصفيات لضعف بنيته وتفوق رفاقه عليه بدنيا. لحظة اقصائه، كانت واحدة من ألعن المشاهد التي مرت علي في حياتي، ربما لأني مررت بنفس الشيء ذات يوم. قبل اخباره بالأمر.. طلبوا ممن سينادون على اسمائهم أن يصطفوا على الجهة المقابلة من الملعب.. وفي الطرف الآخر بقي هو وبعض ممن لم يحالفهم الحظ تكنس آمالهم الوساوس..
كان بعضهم مشوشا.. رأيت ذلك في أعينهم.. منهم من بدأ القلق يلتهمه وبدوره طفق يأكل أظافره
ومنهم من وضع يديه خلف رأسه.. منتظرا القرار
كرصاصة رحمة.. كانوا يشبهون من ينتظرون الطبيب
خارج غرف العمليات.. إلا هو.. ظل صامتا، يحدق بالأرض
كان يعلم أن خلف هذا الانتظار شيئا لن يسره. لحظات قليلة من الصمت مرت ببطء قاهر، حتى تم اخبارهم – هو ومن معه- بأنهم خارج الحسابات.. أخبار مرت على صدورهم الهشة كما تمر شاحنة محملة بالخردة فوق قوقعة حلزون.
غادر الجميع، إلا هو، لم ينبس بكلمة، نظر إلى ركبتاه المغطاة بأتربة وخدوش خلفتها ضراوة المنافسات الأخيرة.. نظر فقط دون أن يفتح فمه.. واكتفى باحتجاج صامت، برفع ياقة غلالته حتى وصلت جبهته وغطت وجهه بالكامل وانفجر تحتها بالبكاء
حتى أرتد نحيطه في أذان كل من في الملعب
فتحشدوا حوله كما يتحشد رجال المطافئ على حريق.
إلى هنا ينتهي المشهد.. ويبدأ التحدي.. كثر هم من حدث معهم هذا واثبتوا أنفسهم بعد أن حولوا نقاط ضعفهم إلى تحديات واعتبروا هكذا قرارات بنزين انطلاق لهم، ليتقدموا، وليطوروا من أنفسهم.. ويعودوا بعد ذلك من بوابات المجد..
لكن إن أردتم الحقيقة إن لعبة كرة القدم مؤلمة بقدر ماهي ممتعة ولهذا.. تحاشيت أن أصبح مدربا ذات يوم.. لأني -رغم ما شاهدت في ليبيا من شناعة-
مازلت أخشى هذه اللحظات ولا أعتقد إني أملك الجرأة لإطفاء حلم أحدهم بقرار صائب كان الله في عون المدربين.