المهدي يوسف كاجيجي
عندما أعلن الاستقلال، كان عدد سكان ولاية فزان خمسين الف نسمة، وميزانيته السنوية مقدارها خمسون الف جنيه ليبي. وهذا يعني كما ذكرت في مقال سابق أن نصيب الفرد كان جنيها واحدا، تم صرفه على بنية تحتية بدأت من الصفر تقريبا، وما أنجز كان إعجازا بفضل رجال صادقين، وفدوا من كل المدن والقري الليبية، وتجمعوا علي حب وطن. في ذلك الزمان لم نكن نعرف شيئا عن التقسيمات المناطقية والقبلية،لم يقل لنا احد يوما ان الوالي البي حمد سيف النصر ومن بعده أخوه البي عمر والشاب سيف بي عبد الجليل سيف النصر رئيس المجلس التنفيذي انهم من اولاد سليمان، واتباعا للتقسيم الإداري للنظام الاتحادي فهم يتبعون ولاية طرابلس،لأننا كنّا نراهم بعين الإعجاب كرجال دولة، حصلوا علي الشرعية من حرب التحرير الليبية.
لم يقل لنا احد ان قائد الشرطة الزعيم عبدالرحمن بادي شرقاوي من أصول مصراتية، ومساعديه العقيد محمد قذاف الدم، والعقيد عبدالسلام أمسيك،أن الاول من سرت والثاني من الزنتان، والسيد موسي مفتاح مدير قطاع الموظفين وشقيقه ابراهيم مفتاح اول من افتتح دارا للعرض السينمائي في الجنوب من بني وليد. والأستاذ محمد عمر الطشاني المؤسس والمسئول قطاع الاعلام والمطبوعات ابن ميزران الطرابلسي. والأستاذ بشير الصاري مدير قطاع التعليم من زليطن. والمقاول الهادي حموده ،وعائلات الشباح والشويهدي والضراط التي كانت تدير قطاع التجارة والنقل في الولاية كلهم قادمون من مصراته. إلى آخر القائمة الطويلة من هؤلاء الرجال. وأتذكر واقعة طريفة عن عضو المجلس التشريعي الذي تقدم باقتراح لاصدار قانون بحظر التعيينات في الوظائف المصنفة علي غير الفزازنة وقتها فقوبل الاقتراح باستهجان شديد وتعرض العضو للطرد من المجلس.
الجديد .. وحكمة ساكنه
تذكرت كل ذلك، وانا اتابع ردود الفعل للبيان الذي صدر عن عائلة الحضيري في سبها، والتي أعلنت فيه: ( انتهاء العلاقات الاجتماعية بينها وبين قبيلة اولاد سليمان في سبها )،وذلك بسبب تراكم الخلافات وآخرها الاعتداء بإطلاق الرصاص علي واحد من ابنائها، من قبل أحد أفراد القبيلة. كان البيان بالنسبة لي حدثا جللا. فعندما تذكر سبها كعاصمة في الجنوب، يذكر الجديد المدينة الاكثر قدما، حيث ضريح سيدي حامد بن محمد الحضيري، العالم الجليل والولي الصالح، الذي ولد فيها عام 1562 ورحل عنها عام 1648. وتركها مركزا للاشعاع العلمي والديني. وترك لنا من بعده ذرية اشتهرت بالحكمة ودماثة الخلق، وحققت نجاحات في التجارة والعمل الاداري. وظل الاسم ” حامد ” هو الاكثر تداولا تبركا بالجد المؤسس وبالنسبة لجيلي فمن منا لا يعرف حامد الأكثر شهرة القائد الكشفي والدبلوماسي المخضرم الذي أثار إعجاب الرئيس الفرنسي ميتران بلغته الفرنسية الراقية سعادة السفير حامد احمد الحضيري وهناك حامد رجل الصناعة والمعارض وحامد الاستثمارات الي آخر القائمة،مع الاعتذار لكل حامد ولد فيما بعد.
فرسان.. وحكماء الجنوب
قال غراتسياني في كتابه نحو فزان: ( سيف النصر هي العائلة التي ناصبتنا العداء، منذ وصولنا للساحل الليبي، وكانت سببا في عرقلة تقدمنا للجنوب لسنوات طويلة ). انا هنا لست بصدد التعريف بدور قبيلة اولاد سليمان، وقيادتها التاريخية المتمثّلة في عائلة سيف النصر، وحضورها الدائم في الجنوب الليبي منذ العهود التركية وما تلاها من حقب.فهذا مدون ومعروف. ولكن احببت أن أشير الي أن النجاحات التي تحققت بالنصر، كانت حصادا للتلاحم الوطني ما بين أهل الجنوب بدعمهم وحكمتهم و اولاد سليمان والمتحالفين معهم وشجاعتهم. كلهم مجتمعين متآزرين شكلوا سدا منيعا، ضد تحقيق الحلم الفرنسي، باقتطاع اقليم فزان، عن الدولة الام ليبيا. وبالرغم من كل الإغراءات التي قدمت ،في شكل إصدار عملة وطوابع بريد حاملة لصورة البي احمد سيف النصر، حسم الرجل الآمر بمقولته المشهورة [ لو كان بي عرقا غير سنوسيا لقطعته] وما كان يتحقق ذلك إلا بتلاحم القوي الوطنية وما قدمته من دعم وعلي رآسها عائلة الحضيري .
ما بين قبيلة اولاد سليمان سبها، وعائلة الحضيري، اكبر بكثير من بيان.. وخلاف.. وقرار بقطع العلاقات، ولكن ما حدث هو إنذار ،بوجود خلل ما ،يجب معرفته والقضاء عليه. وانا اجزم ان الثقة والحب بين الطرفين لا زالا قائمين، ولقد قرأت ذلك في التعاليق علي البيان المنشورة علي صفحة الاستاذعبدالقادر ابراهيم الحضيري .ايها السادة يا اهلنا في الجنوب ،الوطن يتآكل ،والجنوب هو المستهدف الاول، ويخطط علنا لاستقطاعه من الوطن الام ،وأنتم ادري بما يجري. لا تنتظروا خيرا او عونا من اهلكم في الشمال، اتركوهم لصرعاتهم وطوابيرهم وتأكدوا لم يبقي الا أنتم، وقوتكم وسلامتكم وسلامة ارضكم وتذكروا إن سقطتم سقط كل شئ.
* الصورة:ضريح سيدي حامد بن محمد الحضيري ـ المجاهد البي احمد سيف النصر.