سارة محمد
الله عز وجل يعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب ولا يهب الهداية والتوفيق والثبات على صراطه إلا لأحبابه الموفقين.
والعطاء الدنيوي يحوي بين طياته اختبار شكر وتذكر لرب النعم ورازقها سبحانه, فإن نسي العبد ربه وتذكر فقط نفسه فقد رسب في الاختبار. حتى أهل الاستقامة لو أعطاهم الله فيجب عليهم شكر النعم وصرف الحمد والثناء إلى معطيها سبحانه وإلا رسبوا في الاختبار , والله تعالى أكد هذا المعنى بوضوح وأظهر حقيقة الاختبار عند لفظة (لنفتنهم) في قوله تعالى }وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ{
قال السعدي: أي إنهم { لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ } المثلى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا }
أي: هنيئا مريئا، لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب.
فمن رسب في الاختبار واستغنى عن الله وغرته دنياه فقد باء بخسران وبوار ما بعده بوار حتى يتوب الله عليه.
فإياك أن يغرك مال , فهو محض اختبار فاشكر الله وإياك أن تعص الله بنعمه, وسارع في استغلال هذه النعمة لمرضاة الله وكسب الدرجات.
وإياك أن يغرك منصب أو سلطة أو وجاهة أو عشيرة, واحمد الله وسارع في استغلال منصبك أو جاهك فيما يرضي الله وتواضع للخلق والخالق .
وإياك يا عبد الله أن تغرك قوة أو فتوة ,استغلها في الطاعة وإلا فاعلم أن غرورك بها سيوردك المهالك إن لم تتب.
وإياك يا أمة الله أن تغتري بجمال, فإنما هو اختبار من الله فلا تفتني به عباد الله واستتري.
ومن النماذج الفجة التي لم تغن عنهم النعم ولا سعة الرزق شيئاً , حتى باؤوا بالخسران والتباب,
وفي ذكر سيرته تحذير وتخويف حتى لا يقع الإنسان في مثل ما وقع فيه الجاهل “أبو لهب .”
قال تعالى ): تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5))
قال الإمام السعدي رحمه الله في التفسير-: أبو لهب هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان شديد العداوة [والأذية] للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا فيه دين، ولا حمية للقرابة – قبحه الله- فذمه الله بهذا الذم العظيم، الذي هو خزي عليه إلى يوم القيامة
فقال: { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } أي: خسرت يداه، وشقى
{ وَتَبَّ} فلم يربح.
(مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ ) الذي كان عنده وأطغاه، ولا ما كسبه فلم يرد عنه شيئًا من عذاب الله إذ نزل به،
{سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} أي: ستحيط به النار من كل جانب،هو {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} .وكانت أيضًا شديدة الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تتعاون هي وزوجها على الإثم والعدوان، وتلقي الشر، وتسعى غاية ما تقدر عليه في أذية الرسول صلى الله عليه وسلم،وتجمع على ظهرها من الأوزار بمنزلة من يجمع حطبًا، قد أعد له في عنقه حبلًا
{مِنْ مَسَدٍ } أي: من ليف. أو أنها تحمل في النار الحطب على زوجها، متقلدة في عنقها حبلًا من مسد، وعلى كل، ففي هذه السورة، آية باهرة من آيات الله، فإن الله أنزل هذه السورة، وأبو لهب وامرأته لم يهلكا، وأخبر أنهما سيعذبان في النار ولا بد، ومن لازم ذلك أنهما لا يسلمان، فوقع كما أخبر عالم الغيب والشهادة.