ليالي الأوراس

ليالي الأوراس

عائشة حداد .

في إحدى ليالي الشتاء الباردة بجبال الأوراس تحديدا في جبل أريس، زمن الثورة التحريرية .عاد الحاج أبو عمار بقطيع أغنامه يهش عليه بعصاه تارة يسبقها وتارة تسبقه.

يلتحف برنوسه الصوفي .يشرع باب الزريبة مسرعا ففي السماء بادرة غيمة ثلجية.يتفقد كومة الهيشر والحطب يدخلها على عدة مرات غرفة النوالة.

تمغط ثم تمتم : يا الله الصحة والستر. دفع باب بيت العِيَال .شجعته زوجته على الجلوس .تسأله هل اتصل بك أحد المجاهدين ؟هل من خبر على عمار؟. إكتفى بتحريك رأسه يومئ بكلمة لا.

تتربع هي تعد القهوة ملعقة إثنتان ، إرتفع ماء الركوة ثم هوى، أبعدتها قليلا عن الكانون كي لا تطفأ ناره .

برعشة في اليد وعينين حزينتين.

وما لبثو حتى سمعوا طرقا في الباب بإيقاع يعرفونه .إنهم المجاهدون.

نهض الحاج ابو عمار بخفة غير معهودة لم تسعفه حتى على تدثير جسده.فتح الباب تنحى جانبا يتحدث بصوت خافت: مرحبا سي محمد ومعه إثنان من الجنود .

تبادلا العناق.اجلسهم في السقيفة مكثوا بأحذيتهم العسكرية وقشبياتهم  متأهبين لأي طارئ.

عاود الدخول حمل سكينه وذبح خروفا وأمر بإعداد الطعام فالكرم هنا يطغى على كل مبدأ و موقف.

خرج أبو عمار متحمسا يفرك يديه يخفي خوفه من عساكر فرنسا.سألهم عن أحوالهم أخبروه بأنهم في دورية ومعهم حمولة سلاح فوق دابة.تعاونوا على وضعها أرضا فوق الحصير.

خرج حفيد أبو عمار إلتصق بجده يتشبث بيده عريضة الكف خشنة الملمس بشقوق كأرض عطشى.

أمره أن يسلم على الجماعة تقدم محتشما ، وقفوا في حضرته ثم دنى منه  سي محمد صافحه كالكبار ضمه إلى صدره طويلا كأنه يعتذر .

حينها نطق الحاج أبو عمار : كيف هو عمار ولماذا لم يأتي ؟

أجابه سي محمد: كان في وعكة بعدما سقط في كمين فرنسا.لكنه اليوم هو في أحسن حالاته أقسم لك أنه إرتاح.

جاء الحفيد الثاني يحمل إناء به لبن و طبق من الكسرة الساخنة..وشوش في أذن جده : مثرد البربوشة جاهز. ذهب الحاج أبو عمار وعاد يحمل قصعة الكسكسي مزينة بخضار الموسم ولحم الخروف .

أكلو على عجل صامتين ، يتناوبون الحراسة . ينتظرون الفجر.

عند سماع الأذان الأول قاموا صلوا ركعتين فرادى.

خرج الحاج ابو عمار يحمل إبريق القهوة ملأ الفناجين.هنا وبصوت خاشع قال سي محمد بعدما ركز نظره في الأرض : لله ما أعطى و لله ما أخذ  .عمار كتبت له الشهادة أمس.وهذه جثته وليست ذخيرة.

أجهش الحاج عمار في البكاء سند ظهره لحائط الطوب .

قال: الله أكبر. . أمه باتت وراء الباب تريد الخروج منعتها مرات وهي تقول : يا أبى عمار لا تقف مع هذا الباب المقفل بيني وبين إبني.

.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :