- كتابة وتصوير سراج الدين الورفلي
البارحة زرت المعرض الفني الذي أقيم في منظمة براح للثقافة والفنون Barah Culture & Arts للفنان Jamal Alshreef ،
صار من النادر في بنغازي أن تجد شيئاً أصيلاً ،عملاً يتسم بهذه الجدية والدقة ، عملاً فيه روح ،كان المعرض بمثابة تجميع هائل لمعاناة مجتمع كامل لما بعد الحرب مباشرة ،
منحوتات منهكة مصابة بالخزز ،متآكلة متجمدة ومتمسكة بهذا التجمد عند أشد لحظاتها قسوة ووحشة ،
الدمى وهذا هو الأسم الذي أطلقه الفنان على معرضه ،وهو اختيار موفق ، فحتى جمع كلمة دمية ماعاد بإمكانها أن تُكون مجتمعاً حقيقياً ، وكأن ماهو أشد فزعاً من أن يموت المرء في الحرب هو أن يعيش مابعد الحرب ،فحتى في منحوتات مثل قارب الهجرة أو تلك التي تحمل تابوتاً ،تجد تيمة الوحدة حاضرة بقوة داخل الجموع ، فأنت هنا وحيد كأنك الجميع ، وحيد ومستهلك ومفرغ تماماً من الداخل ،
في الحرب كل طوائف المجتمع تقريبا تعيش على الهامش ، تتخلى عن وظائفها الحيوية ،وتكتفي بإحصاء خسائرها، يتم ازاحتهم بقوة العنف والخوف ، هؤلاء الهامشيون سيكملون حياتهم بلاترميم ، مخذولين وعاجزون تماماً عن الشفاء ،أو لم يعد هناك مجال لشفائهم ،فأن يشفوا يعني أن ينسوا أو يتناسوا وهذا بالنسبة لهم فقد آخر جزء من انسانيتهم التي صارت مهددة بالإنقراض.
هذه الأعمال الفنية جديرة بالإهتمام وهي ناتجة عن وعي شديد من قبل الفنان بالمأساة التي يحاول كشف تداعياتها وسبر أغوارها، وهي مغامرة ليست بالسهلة فالجمود والألوان المنطفئة والأضواء الناعسة الحزينة والظلال الثقيلة البطيئة صنعت للمشاهد وهو يتجول داخل أروقة المعرض نوعاً من التعب المفرط، حتى أنك في أوقات كثيرة ترغب بالضغط على مفتاح النور الرئيسي ليتوقف هذا النزيف داخلك، وربما هذا ما أراده الفنان بتكديس كل هذه الظلمة لكشفها وهي تنمو داخل عتمتنا ،
وكأنه أراد أن يقول: على أحدكم ،على أحدنا ،علينا جميعاً الضغط على هذا المفتاح ، ولكن دون ذلك سنكمل كلنا حياتنا في معارض العالم كهذه الدمى.