المستشارة : فاطمة درباش
شكلياً يقصد بالقضاء الدستوري المحكمة أو المحاكم التي خصها الدستور – داخل التنظيم القضائي في الدولة – من دون غيرها برقابة دستورية التشريع (قضاء دستوري متخصص).
وموضوعياً يقصد به الفصل في المسائل الدستورية ، وهي المسائل التي تثير فكرة تطابق التشريع مع الدستور ،بالتالي فإن المعنى الموضوعي لاصطلاح (القضاء الدستوري) أوسع نطاقا من معناه العضوي أو الشكلي ، إذ أنه وفقاً لهذا المعنى القضاء الدستوري لا يوجد إلا مع وجود المحاكم الدستورية المتخصصة ، في حين أن القضاء الدستوري وفقاً للمعنى الموضوعي لا يرتبط في وجوده بمثل هذه المحاكم الدستورية ، إنما هو قائم مع الفصل القضائي في المسائل الدستورية ، بصرف النظر عن الجهة القضائية التي يصدر عنها هذا القضاء .
وأهمية القضاء الدستوري تكمن في أنه يعتبر واحد من الوسائل المهمة لضمان التزام السلطات العامة في الدولة بأحكام الدستور، من خلال رقابته على دستورية القوانين، وسواء كانت هذه الرقابة قضائية أو سياسية. وتتمتع السلطة القضائية الدستورية بمكانة كبيرة بين السلطات في أغلب البلدان والأنظمة الدستورية المعاصرة؛فإذا كان البرلمان يستمد شرعيته من الشعب عبر انتخابه بالاقتراع العام، وفق الدستور وقانون الانتخاب، فإن القضاء الدستوري يستمد شرعيته من الدور المناط به في صون الدستور، الذي هو التعبير الأسمى عن إرادة الشعب وسيادته، وركيزة شرعية كل السلطات، بما فيها شرعية سلطة البرلمان نفسه. كما أن القضاء الدستوري يستمد شرعيته أيضاً من الدور المناط به في الفصل في صحة تمثيل الشعب على مستوى البرلمان. وكما أناط الدستور صلاحية التشريع بالبرلمان أناط صلاحية مراقبة دستورية القوانين والفصل في الطعون النيابية بالقضاء الدستوري. فمصدر الصلاحيات في الحالتين واحد وهو الدستور، والذي يقوم بمهمة ضبط عملية التشريع بما يتلاءم والدستور، وهذا ما يشكل مصدرا من مصادر شرعيته.
وهكذا يبدو أن شرعية القضاء الدستوري تنبع من المهام التي أناطها به الدستور، ومن الدور الذي يقوم به لتحقيق هذه المهام. شرعية تترسخ بقدر ما يقوم القضاء الدستوري بمهامه ودوره بفاعلية وحيادية وتجّرد، وتضعف وتتلاشى بقدر ما يتقاعس وينحاز ويتنكر لرسالته السامية. والذي يعزز شرعية القضاء الدستوري حمايته للحقوق والحريات الأساسية التي ضمنتها دساتير الأنظمة الديمقراطية.
أما القوانين التي أقّرت باستفتاء عام، والقوانين الدستورية التي عدلت الدستور، فلا صلاحية للقضاء الدستوري للنظر في دستوريتها، كون الأولى أقّرت من قبل الشعب مصدر السلطات، والثانية أقّرها البرلمان بصفته سلطة تأسيسية وليس سلطة. فليس من المتصور قيام دولة قانونية دون أن يكون لها دستور يقيم النظام السياسي في الدولة ، ويؤسس الوجود القانوني للهيئات الحاكمة بها، ويحدد وسائل حماية من لا سلطة لهم في مواجهة من لهم السلطة، فيصون الحقوق والحريات العامة التي تهدف إلى حماية الفرد والأقليات من احتمالات تعسف واستبداد الأغلبية، وتحدد ضمانات كفالة هذه الحقوق والحريات.
وبهذا يستوجب على القضاء الدستوري أن يكون على مسافة واحدة من سلطات الدول الثلاث بما فيها السلطة القضائية بحيث يكون قضاءً مستقلا عن الجميع وتنبع قوة القضاء الدستوري من حياديته الكاملة عن جميع سلطات الدولة، حيث يلعب القضاء الدستوري دورا جوهريا في سبيل تعزيز وبناء دولة الحق والقانون عبر عدد من الاجتهادات الحاسمة لأجل حماية وضمان الحقوق والحريات الأساسية وترسيخها في شاكلة مبادئ وأهداف ذات قيمة دستورية وإلى قواعد لسير العدالة.
لذلك منح الدستور القضاء الدستوري العديد من الصلاحيات والاختصاصات المختلفة وجعله ذو مكانة سامية لكونها سلطة حامية للدستور وحافظة لوحدة البلاد، وتماشياً مع دورها في إرساء دعائم دولة القانون، وبناء دولة المؤسسات التي تحافظ على وحدة المجتمع من خلال الاعتراف بالثقافات المجتمعية المتنوعة، ينبغي أن يكون أعضاء هذه المحكمة على درجة من الخبرة المهنية والسياسية والنزاهة والعلمية والحياد والاستقلال لا سيما في الدول ذات المجتمعات المتعددة.