عاشور صالح عبدالعزيز
مشاهد من غات ودرنة
المشهد الأول:
في 2019 تعرضت مدينة غات، وما جاورها من مناطق وأحياء مثل (مدينة البركت، منطقة الفيوت، حي العروبة، حي الشركة الصينية، تهالا والعوينات إلى فيضانات لم تشهدها المنطقة منذ ما يزيد عن المئة سنة (حسب خبراء بجامعة طرابلس)، فهبّ الإخوة من كل ربوع الوطن من أجل إخوتهم في تلك المناطق في فزعة لم تشهدها المنطقة من قبل والتقى الأهل من الشرق والغرب والجنوب على هدف واحد، وهو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ونجدة من يمكن نجدته، ولملمة شتات وطن فرقته الحروب والنعرات الجهوية والمناكفات السياسية والسعي لكسب المزيد والمزيد من المكاسب على حساب مآسي الناس وآلامهم.
تقاطرت القوافل من كل حدب وصوب، وهبطت الطائرات وأقلعت محملة بالمساعدات الغذائية والدوائية والطبية ومولدات الكهرباء وفرق الهلال الأحمر والاتصالات وغيرها. وأعلنت البلدية كمنطقة منكوبة وأنشئ لها صندوق لاحتواء الكارثة، وتوافد الأعيان والحكماء والمسؤولون الحكوميون وقدموا عرائض التضامن أحياناً، والشعور بالأسى على من فقد البيت والمزرعة وبعض شتات أملاك استعان بها على الحياة أحياناً أخرى، وكثير من الوعود التي لم وربما لن ترى النور ما دامت السماوات والأرض.
في تلك الأزمة، ظهر تجار الأزمات والسماسرة ومصاصو دماء المنكوبين والمكلومين، وذهبت كثير من الأموال إلى ما لا يعلمه إلا الله، وامتلأت قوائم المتضررين بأسماء من تضرر وكثير من لم يمسسه ضر.
ولكن حين بلعت الأرض ماءها، وأقعلت السماء وغيض الماء، وقضى الله أمراً كان مفعولاً، تبخرت وعود السلطات الرسمية، التشريعية منها، وتبخرت خطط احتواء الكارثة إن ضربت من جديد. ولم تُبنَ السدود ولم تهيأ الأودية وعادت إلى طبيعتها مليئة بالكثبان الرملية والقمامة ومخلفات البناء وكأن شيئاً لم يكن. وعاد الناس إلى بيوتهم يتفقدونها وإلى ما تبقى من مزارعهم وأغنامهم وجمعوا شتات أنفسهم وأعادوا بناء ما تهدم، وترتيب نمط حياتهم ونسوا أنهم يسكنون في مجاري السيول وكثير منهم لا يزال يعيش على أمل التعويض فيما فقد ولو بثمن بخس ودراهم معدودة وهم فيها من الزاهدين. ولسان حالهم يقول (نسأل الله أن لا تسيل السيول وتجري الوديان، فالله وحده أعلم بالحال وإليه المرتجى وإليه المآب.
يا من إليك المُرتجى والمرجع. من لي سواك في الشدائد ينفع
ضاقت الدنيا عليّ بأهلها. فناديت ربي إني بك أتضرّع.