وجهان لبيروت واحدة

وجهان لبيروت واحدة

بقلم :: أحمد شوقي

أخبرت صديقتي الكاتبة ذات مرة عن حادثة غريبة حصلت معي في صباح إحدى الأيام الشتوية عن حالة انتشاء صباحية مغرية للقراءة- للكتابة، لمثل هذه النشاطات الشاعرية. عزمت على القراءة داخل السيارة وقد وجدت في حقيبتي رواية لغادة السمان و منها قرأت “بيروت من محبرة غادة” و في الجهة المقابلة لهذا الموقف الطبيعي يعلن الراديو التحدي و يعبر عن صباحه الطبيعي والمعتاد بأغان من باقة فيروزية صباحية, لون آخر لبيروت لم يكن أسوداً كمحبرة غادة ربما أزرق يتخلله البياض كسماء ربيعية سماوية اللون تتوسطها الغيوم البيضاء المتناثرة في أشكال مختلفة. تبدل مزاجي وانتعش لحظات وارتبك في أخرى متتالية حتى تجمعت من فوقي سحب لم أتبينها سحب ربيعية أم سحب شتوية تحمل في مكنونها الصواعق و الرعد ؟ قد يبدو الموقف عادي لأي مستمع أو قارئ و لكن أن تكون كلاهما في الزمكان نفسه غادة تنافس فيروز و فيروز تنافس غادة! حتما ستقع في مصيدة بيروت ، عُرفت غادة السمان بإسمها و لقبت بإسمها و انشهرت و اشتهرت بإسمها، كتبت عن الحرب الأهلية في لبنان و عن جحيمها و عن غسان الصورة المصغرة لفلسطين. في وقت ما كانت السيدة الأولى في ساحة الأدب, فردت جناحيها للحرية و قالت طِر فطارت من دمشق إلى بيروت و استقرت في باريس رسمت محيطها بنفسها, دلالاته أدب نصف قطره قلم و النصف الأخر محبرة. تحول كل شيء في حياتها لمسألة ضد حتى المنطق انقلبت ضده. الجنس. الحب. المرأة. الذات. حتى رسائلها القديمة

تسألت مرة ماذا لو كانت غادة لعنة لبنان لا سوريا؟ أو ماذا لو أن سوريا شعرت بمغص في بطنها و دوار ثم تقيأت و خرجت غادة ! فتبنتها لبنان ؟ لتصبح الأخت الصغرى لفيروز أو الوجه الأخر لبيروت! . فيروز وردة بيروت التي لا تذبل، راية البرج و نجمة الثلج، سفيرة الأغنية العربية و شجرة الأرز اللبنانية و ياسمينة الشام و أكثر! اشتهرت من أول صعود لها و لم تنزل من بعده حتى عانقت السماء أكثر من مرة. كانت ملكة المسرح و رقم واحد صحيح في الإذاعات اللبنانية و العربية،تألقت على المسرح و السينما و رُمزت بالعراقة و سيدة الصباح الأولى،غنت عن البلد، عن السماء، عن بيروت، عن الحمام, حتى أن كلمة صباح الخير التي تنطقها كانت أغنية أيضا، كل شيء منها كان أغنية،حتى أننا عرفنا بيروت من خلالها، و عرفت هي من خلال عائلتها الرحابنة، أسست بإسمها مدرستها للفن و ضربت جذورها في الأرض حتى تصدعت و انشقت ثم خرج الضوء! تسألت مرة مالم تولد بها فيروز كيف ستكون لبنان وبأي وجه وصوت؟ تخيلتها أسوأ حتى من كوابيس بيروت !! ثم أخبرتني صديقتي الكاتبة” ليلى المغربي” التي ساعدتني في صناعة محاور هذا المقال عن استحالة الجمع بينهما ! وأن فيروز وغادة لكل منهما وجهها و مزاجها الخاص كالزيت و الماء, تماما كما فعلت بدون إرادة مني حين أغلقت الراديو و وضعت الكتاب في الحقيبة و نزلت من السيارة شاعراً بصداع ما بعد الحوادث لا بالحب!

 

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :