نيفين الهوني
1
كانت هنا. ترتب أحلامها ترسم في الفضاء خطواتها الراقصة على أنغام الحياة، تنسج حكاياها وترسل بريقها عبر كوة من أمل وأماني تبلغ المنتهى، لتبدأ إثر كل نهاية بداية جديدة ناجحة، ولأن الأعين الصدئة ترصد الفرح أينما حل حين فجاءة بعثت تقول في رسالة مقتضبة عبر الفايبر
2
(أنا التي أرهقتها دواليب الأيام حد التبلد، وأبكاها الألم دون دموع من مكاني هذا أرقب ظل خطواتي الكسيحة، وهم يدفعون عربة الموت بي، أرحل بوعيي عن المشهد وأغيب كروح أدهشها الفناء، المكان مظلم ولا شيء بجانبي سوى العتمة والخواء) مرعبٌ هذا المكان، وموحشٌ حد القبر، وأنا وصديقاتي لا نملك سوى اللهج لها بالدعاء ..
3
في غرفة العمليات حين يأسرك الحزن، ويأخذك الألم سبية، وتسوقك الأيام إلى أقدار لم تخلق لأجلك، فتبحثين عن هدهدات من هنا ومواساة من هناك …تتكوّر ذكرياتك الواحدة تلو الاخرى، تلملمينها لتصنعين عقدا من ضحكات زينت بها الحياة جيدك في غابر الايام …
4
تتأملين صورتك في المرآة وربما للمرة الأخيرة فتشب في داخلك طفلة، وتحلمين بصورتك كما تحبين أن تريها ثلاثينية تضج بالحياة تبسمين في وجه المنية المنبثقة من روائح الأدوية والتي تخترق انفك مع ممسحة مملؤة بمطهرات لزجة تجرها تلك العجوز الواهنة وهي تحاول أن تنظف مسارات الأسرة المتحركة نحو المجهول .
5
ثم تذوب الصورة الماثلة في ذهنك شيئاً فشيئاً ليحل محلها عجوز هرمة في ستيناتها , وقد غارت عيناها وتهدل شحمها وترهل جلدها , وامتلأ فوداها بردا ووتينها أجاجا ،فتطلقين ابتسامة حزينة في وجه القدر , وتتمتمين للعمر الأفل على عجل : (تمهل يا خريف العمر غير ليش متعجل)* كما تعودت مذ كنت في ربيعه.
6
الان ها أنتِ على مشارف السنوات التي تلت قصم ظهرك وكسر خاطرك ،النفس أمارة بالصبر ..والعمر لا يحتمل التأجيل ولم تبق منك سوى علاّت هنا ومنغصات هناك حيث وطن يطالع هو أيضا وجهه في المرآة صباح مساء فلا يرى سوى انعكاس لغبار الحقيقة المتناثر أمام ناظريه ولا عزاء
7
وفي تلك الغرفة البيضاء ألبسوها الاخضر لا جارة بجانبها في السرير الفارغ ..لا أهل لا اصدقاء لا أحد..حين تشبثت عروقها بالحياة..ضيفة البلاد أهدت الموت ..صكا مؤجل الدفع دون أمل
*جزء من قصيدة خريف العمر للشاعر سالم