صلاح إبراهيم
في بعض الأحيان نشعر بأن وجودنا عبارة عن عبث وإهدار للوقت والجهد والمال العام بل إننا في أغلب الأحيان يتملكنا شعور بالإحباط و الخيبة وأننا عديمو الفائدة ولسنا إلا رقما يكمل خانة الأرقام الأخرى.
لو دار هذا الحديث بينك وبين شخص آخر من فزان سيخبرك بأننا في كافة مناحي الحياة مهمشون و أن وجودنا في ليبيا يقتصر على الجغرافيا فقط وفي نفس الوقت سيرمي بكل اللوم على الجغرافيا التي وضعتنا مابين الجبال و الرمال.
هذا القول هو الآخر يدخل في بند كره الذات للذات بل إنه يعتبر تشريطا و تقسيما للجسد بين مركز و هامش ، بعض الحالات المثبتة علميا أكدت على أن كره الذات في بعض الأحيان يؤدي إلى إيذاء النفس من خلال الجروح أو حتى الانتحار ، إن الشعور بالكراهية لذاتك هو أشبه بمن يتنمر عليك و يستغل ضعفك وإيمانك بنفسك فكيف للنفس أن تحتمل ذلك من نفسها ؟!
بالعودة إلى ما ذكرته عن التقسيم بين المركز و الهامش لقد حصرنا أنفسنا في خانة الهامش و اعتقدنا أن كل الطباع و الأفعال الصادرة عن المركز هي الصحيحة و دونها أخطاء ، هذا الاعتقاد جعل من مدرجات ملاعبنا المتهالكة جوقة للقذف و الشتم و التعدي على المحصنات ونظراً لخصوصية المنطقة و تقديسها للأعراق و الأنساب أصبحنا نستمع إلى الهتافات العنصرية والطعن في القبائل والعائلات ، لو نظرت للكرة الليبية بشكل عام ستدرك حينها بأن كل هذه الأفعال غير مبررة و الأمر برمته لا يستحق هذا العناء ، كل هذا سببه كرهنا لذاتنا و انبهارنا بالمركز استوردنا هتافاتهم وأسلوب تشجيعهم و كذلك تعصبهم ، في فترة من الفترات تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك المحطات التلفزيونية صورة لمشجعين ليبيين في الستينات يجلسون بأدب و احترام مرتدين الجاكيتات مبتسمين وهم يشاهدون المباراة ، تصارعت الأندية والمناطق لتحديد مكان الصورة ومن جمعت هذه المباراة ، سأضطر لخوض الصراع محدداً مكانها و هوية هؤلاء مستنداً في ذلك على شهادات الستة ملايين و إن زادوا عن هذا الحد فلا أعلم من أين هم قادمون ، من ظهروا في الصورة وهم هادئون مبتسمون في قمة الأناقة و الاحترام لا شك بأنهم أهل فزان فالبسمة تعتلي وجوههم والاحترام والطيبة المفرطة ظاهرة عليهم و لو ركزت قليلاً في أحذيتهم ستلاحظ بأنها مليئة بالأتربة ، كل هذه الصفات والعلامات تؤكد لك بأنهم من فزان ، اختر أي شخص من قائمة الستة ملايين و اطلب منه تحديد صفات الجنوبيين سيرد عليك مسرعاً وبدون تفكير قائلاً “أهل فزان الطيبين” .. كيف ستصدق بأن هؤلاء الطيبين أحفاد من في الصورة ظاهرين هم اليوم المشاغبون!!
نعم هم اليوم معتدون جبارون و لأبشع أنواع التشجيع متبعون ، السب والقذف فيه يتفننون و إن لم يعجبهم أداء الحكام فهم لهم جلادون ، قبل أيام تم الاعتداء على الحكم عبدالمنعم أبوصلوعة الذي أدار لقاء الشرارة و الهلال في مسابقة الدرجة الأولى وقضي الأمر بجبر الخواطر والاعتذار وغادرنا الضيف ونحن أمامه في قمة الاستحياء كيف لا ونحن من سيكتب التاريخ بأننا أهنّا واعتدينا على الضيف ، أبوصلوعة ،غادر المدينة ولم تغادرنا عواقب مظلمته ، ماهي إلا أيام معدودة ليتكرر الفعل مع اختلاف المفعول به و يتضاعف الأذى ويكبر حتى أغلق منافذ الصلح و جبر الخاطر.. أسامة امعيقل الحكم السبهاوي الشاب الذي مارس اللعبة في أزقة المدينة وأحيائها و قاد مبارياتها الرسمية و الودية وقف على خط التماس برايته مستنداً بظهره على أهل مدينته مطمئنا بتواجدهم و واثقا من رجاحة عقلهم وحكمتهم .. أسامة لم يكن يعلم بأن من خلفه ليس هم الأولون الذين رأيناهم في الصورة وهم متأنقون و مبتسمون من كانوا خلفه في ذلك الحين هم سكان الهامش الذين استوردوا من المركز كل ما هو مشين ظنا منهم بأنهم بذلك سيصبحون من أهل العواصم الراقين ، أسامة و زملاؤه تعرضوا لأقصى و أبشع أنواع العنف والاعتداء بالأقدام و اليدين لينقل على إثرها إلى المستشفى وهو روح معلقة مابين البرزخ وحياة المهمشين.
بيانات استنكرت وأخرى تدين وأندية تستهجن هذا الفعل المشين وصحفيون اختلط عليهم الأمر بين مناصرة الحق والحرص على عدم خسارة المسؤولين.
أسامة وغيره من الحكام الذين تعرضوا للاعتداء في ملاعب الجنوب ضربوا بأيدينا.. نعم أيدينا التي فتحت الباب لاستيراد الأفكار و المظاهر السلبية ضربوا بكرهنا لذاتنا الذي قسم جسدنا بين مركز و مهمشين.
لحظة.. كل ماقرأت هو عبارة عن جلد للذات وهي المرحلة الثانية ما بعد تشريط و تقسيم الجسد بين مركز و هامش في أولى مراحل كره الذات.