صلاح إبراهيم
في عشية ذلك اليوم الذي يصادف اعادة افتتاح ملعب الحادي عشر من يوليو الذي يطلق عليه اليوم ملعب طرابلس الدولي مررت بجانب اسوار ملعب سبها الدولي لفت انتباهي وجود رجلاً يجلس على قارعة الطريق ويستند بظهره لحائط الملعب وعيناه معلقة بالسماء و بين الحين والآخر يضع آذناه على حائط الملعب ويبتسم، اثار هذا الموقف فضولي ولم استطع تجاوز ما أراه عدت مسرعاً إلى المكان وتوجهت صوب الرجل باحثاً عن جواب لهذه التصرفات.
من دون تردد أو تفكير وجهت سؤالي “ماذا تفعل هنا ولماذا تضع أذناك على الحائط و ماهو الشيء الذي تراه في السماء “؟
ابتسم الرجل قائلا انا هنا انتظر بداية المباراة واضع أذني على الحائط لأستمع لأهازيج الجماهير ، كيف لك ياهذا أن تستمتع للجماهير وانت هنا في قلب عاصمة فزان والملعب يبعد عنك مئات الكيلومترات!!
لاتقلق فالبهجة والسرور نتقاسمها مع أخوة الوطن وان كانو بعيدين و الأصوات ستصل لنا ونسمعها عبر الأنابيب ، الأنابيب التي تنتزع من جوف فزان الحياة وتمنحها للعاصمة حتى تبقى مزدهرة وخضراء حتماً ستعود لنا وهي محملة بالخير والسعادة هكذا هي عادة الليبيين عند طلب العون من الجار ، أتذكر بأن امي عندما كانت ترسلني إلى بيت الجار لإعادة الصحون كانت تملئها بالحلوة او السكر وتشدد على عدم إعادتها فارغة مؤكدة على ان هذا نوع من الشكر والعرفان ولايجوز أن نعيدها فارغة..
أضع أذناي على الحائط و استمع لتدفق الزيت و الماء وانتظر بفارغ الصبر لسماع صوت ماهو قادم لنا من هناك لعلها تأتي لنا بدعوة لحضور المحفل ولما لا يكون خبر عن بناء ملعب فزان الدولي ، ليس بالضرورة أن يكون في سبها وعلى ركام البلدي بل من المفترض أن يترك البلدي على ماهو عليه ليكون ذكرى فالذكرى شكل من أشكال الخلود وماعشناه في البلدي من انتصارات وإنجازات لأندية سبها بالتساوي مع الخيبات والحسرات الناتجة عن تلك الوعود الواهية نريد لها الخلود والبقاء في ذاكرتنا لتكون عبرة لنا وللأجيال القادمة ..
عيناي معلقتان بالسماء لعلي أشاهد الطائرة التي تحمل نجوم فزان وهم في طريقهم للمشاركة في الاحتفال فمن الممكن ان يكون كابتن المنتخب العسكري وصخرة دفاع الأهلي طرابلس في تسعينيات القرن الماضي الكابتن احموده الطاهر جالساً بالقرب من النافذة و بجواره مدرب الحراس الدولي صاحب الاكثر من مئة مباراة دولية في الطاقم الفني للمنتخب وصاحب الفضل بالتتويج اليتيم في تاريخ الكرة الليبية ببطولة الشان الكابتن محمد البوسيفي وخلفهم يجلس الهداف التاريخي للدوري الليبي برفقة اخضر البيضاء عبدالحميد الزيداني ، أجزم بأن عند مرور الطائرة فوق الملعب البلدي بأنهم سيلوحون بأيديهم وحينها سأتمكن من رؤيتهم ، سأرفع يدي انا الاخر و لكن ليس للسلام على هؤلاء النجوم بل ان سأرفعها الى الله داعياً بالرحمه والمغفره لروح الكابتن
حامد مشمور صاحب اول هدف في ملعب طرابلس الدولي تلك المباراة التي جمعت بين نادي النهضة سبها والمدينة طرابلس وتقدم فيها النهضة بهدف الراحل صاحب القدم اليسرى القوية الكابتن “حامد مشمور” لتنتهي المباراة بتفوق المدينة بثلاثة أهداف مقابل هدفين للنهضة ..
ذهلت من صبر و عزيمة هذا الرجل الذي يتوقع حدوث كل هذه المعجزات وسألته انظر من حولك و تأمل في الصعوبات المحيطة بنا .. رد قائلاً لا تيأس واعلم بأن المعجزات تخلق من الصعوبات ونحن هنا صامدين صابرين وننتظر تنفيذ الوعود ولا ضير من الانتظار وكما يقال اللي رقد للستة يرقد للستين..
بعد هذا الجواب قررت الذهاب تاركاً خلفي ذلك الرجل الجنوبي وهو مستلقي على الأرض ينصت بكل امعان إلى خرير المياه و البترول و هو يتدفق من هنا الى هناك حينها وردت في خاطري هذه الكلمات
دير الخير و لوحه في نهر جاري .. اللي يضيع عند العبد ما يضيع عند الباري .