كتب :: محمد عمر بعيو
هل كان لزاماً أن يموت الحاج عـمـر مـحـمـد اشـكـال بهذه الطريقة، لنعرف أن الدم الليبي لا يعرف فصيلة سبتمبر ولا فصيلة فبراير، بل يعرف إحدى فصيلتين لا ثالث لهما.. فصيلة [الــشــهــامــة] التي جعلت الرجل السبعيني الضعيف جسداً القوي روحاً يأبى أن يغادر مع المغادرين منذ أسابيع، ليبقى مختاراً عن يقين لا محتاراً عن شك مع آخر من تبقى من أطفال ونساء في مربع الموت الأخير في قنفوذة المعروف بعمارات الـ 12، بعد أن تم اتخاذهم دروعاً بشرية،.. أو فصيلة [الــنــذالــة] التي جعلت الأسير السجين يتحول إلى مخطوف بلا إرادة، يتنقل به خاطفوه من بيت إلى بيت في حقول النيران المضطرمة من بوهديمة إلى قنفوذة على مدى عام كامل، ظانّين أول الأمر أنه رهينة ثمينة يمكن استخدامه في مفاوضة أو مساومة الخصم أو توجيه نداءات الاستغاثة تحت عواصف النار، ليكتشفوا متأخرين وربما حتى لحظة صعود روحه إلى بارئها قبل ساعات أنهم أصبحوا رهائن صبره وحكمته وإنسانيته وإصراره على خدمة الضعفاء مثله الذين ألقت بهم المقادير والخطايا في أُتون نارٍ أوقدها المجرمون والمقتدرون، ودفع ثمنها الواهمون والعاجزون حتى إذا آن أوان الارتقاء رحل عن يقين دون أن ينزل عن ثريا كبرياء الإيثار إلى ثرى الأنانية.
لا تؤدلجوا الشهيد بإذن الله (عمر محمد سالم اشكال)، ولا تصنفوه ولا تضعوه في تقاطعات الصراعات، فهو مجرد مواطن ليبي زهد في ثراء السلطان {وأنا على ذلك من الشاهدين} يوم كان أصغر ضويبط أو كُويذب من قبيلته وأتفه خويدم من أقنان وأتباع وذيول قبيلته يستطيع بكذبةٍ أو تفنيصة أو توقيعة من أحد لصوص الأمانات وأجهزة التطوير والتنمية والاستثمار أن يصبح بين يوم وليلة من الأغنياء بعَرض الدنيا لا بطهارة العِرض، وكان من الساعين إلى الصلح وبالصلح كلما أنشبت فتنةٌ أظفارها في تلابيب الإخوة في الوطن، حتى إذا احتدم الصراع في فبراير وجرى ما جرى وجد الرجل نفسه سجيناً مثل غيره ممن أسموهم رموز النظام السابق، فتقبل قدره الذي اختاره عن رضى، وقبع في محبسه منتظرا ً ما تجري به الأقدار في شأن مصيرٍ لم يعد يعني عنده الكثير، لتنتهي اليوم رحلة المعاناة من مرض جسدٍ احتمله منذ كان في المهد صبيا، ومرض قلبٍ جريحٍ عاناه بعدما بلغ من الكبر عتيّا.
لـيـكـن مـوت الـحـاج عـمـر اشـكـال الـيـوم مـيـلاداً لـمـصـالـحـة تـاريـخـيـة بـيـن الأهـل تـأخـرت كـثـيـراً، لـكـنـهـا سـتـأتـي ولـو بـعـد حـيـن، ويـوم تـأتـي سـتـكـون سـبـتـمـبـر وفـبـرايـر مـجـرد ذكـريـات تـاريـخ، وتـصـبـح لـــيـبـيـــا الـحـبـيـبـة بـإذن الله فـي مـعـيّـة الـوجـود لا فـي ذمـة الـتـاريـخ.