حمود ولد سليمان
“وحيدا أجيئك ملتحفا سمرة السنوات
ومعتنقا آية المستحيل
ويعتصم القلب بالله
والغربة القاتلة “/ عز الدين ميهوبي
صباحا والكري يتفحم في عيني ويتساقط اتجهت إلي دورة المياه .حلقت ذقني وكان الأرق يزيدني شحوبا .تناولت قهوة .وكنت أشعر بالنعاس والإعياء .في حافلة كبيرة متجهة إلي الجزائر ركبت . كانت مثل سفينة نوح حافلة باماكو إلا انها أنظف وتفوح بداخلها رائحة زكية .كنت قلقا . اتحاشي نظرات الحرس وقد صعد حرسي وأطل برأسه نظر في ثم نزل .جواز سفري غير مختوم بتاريخ دخول الجزائر وليس عندي غير ورقةضابط رقان بين الفينة والاخري اتحسسها فوق قلبي في الجانب الايسر من جاكيتي .وأخاف ان أريتها لأحدهم ان يرميني بها اويمزقها .وذالك لأنها ورقة وليست وثيقة و قد لا تغني عن تأشرة الباصبور . .وقيمة كل عابر هي في تأشرة باصبوره .وكنت قد خبأت باصبوري اخذا بتعليمات شرطة رقان .لذالك اخترت ان اجلس في المقاعد الخلفية لأتفادي أسئلة الجنود وأتحاشي عيون الرقباء .كان بمحاذاتي شباب بدأ احدهم يتلهي بكومبيوتره والاخرون يتناقشون. وكنت اشعربالنعاس اغمض عيني وافتحهما ورأسي يمضي الي الخلف ويرتطم بالمقعد امامي ،كلما علونا او انحدرنا اوتوقف الباص . ..ظهرا فتحت عيني علي لافتة خشبية كبيرة كتب عليها تيميمون ترحب بكم وكان ثمة صبية متجهون إلي مدرستهم
.توقفنا وأفطرنا ثم واصلنا المسير .سبحان الله كم هي شاسعة وكبيرة الجزائر! قطعت كل فيافي موريتانيا ومالي و هاهي الجزائر تتبدي لي قارة . كنت أعدل في وضعية جلوسي .يمنة ويسره .تعبت كثيرا أحول قدمي اليسري إلي الاتجاه الآخر .ادلك عنقي كأنها تيبست وقدمي اليسري اضحت ثقيلة مخدرة ..انظر في الركاب من حولي هذا ينوس رأسه و الكري يداعب أجفانه وذاك قدغطي عينيه بثيابه ..وأسرح ببصري في سهول جرداء و مرتفعات ..ولافتات أشغال كثيرة ..جسور مترامية في الخلاء.عند الغروب وصلنا غرداية عاصمة بني ميزاب .
حصون المدينة كانت تقف شاهدا علي ماضي المدينة المجيد .ومن ورائها كنت أري الغبار وصهيل الخيل و صليل سيوف الفرسان ولعلعة البارود .غرداية وبي مما يساورني من الهواجس كثير .ذاكرتي تترنح.اشعر بالجوع . مصابيح المدينة كانت ظلالها ترتمي علي الحافلة .اري شبابا يلعبون الباسكت تحت المصابيح وآخرين جلسوا كانهم يقرأون ومن جهة الجسر ظلام يكتنف الدنيا.رأس المسافر العابر مثقلة . توقف الباص ونزلنا للاستراحة .عند مطعم علي قارعة الطريق جلست علي كرسي سألت صاحبه أرخص ماعنده فجاءني بطبق لوبيا وكان باردا أبرد من الثلج.
الجزائرحوالي600كلم . كنا نصعد ونهبط، .كنت انظر فأري انوار مدن تحتي كأنها في واد بعيد . تارة ندخل في نفق…وطورا منعرجا ..وكان الليل قد بدأ يبرد .
.حوالي السادسة وصلنا الجزائر كان صباحا نديا وكانت عيناي غائمتان من التعب والنعاس ..هي ذي الجزائر تنهض من نومها .هي ذي الجزائر البيضاء .وهاجت الذكري .هي ذي الجزائر في الصباح تقطر جمالا وبهاءا .عند اقدام البحر ترتمي وخلف سني الذكري يشع بريقها .في الافق زرقة البحر ويبدو هادئا .ويبدو الزبد الابيض ناصعا علي الساحل. و .نوارس مفتونة بالبحر محلقة في الأعالي .وسفن مبحرة تودع ميناء الجزائر
صباح الخير والهناء
يا الجزائر
ايتها المنأي والمأوي .
ايتها البعيدة من الصحراء
القريبة من القلب .هو ذا العابر علي جسر الذكري عبثت به الاشواق ودمعت عيناه .عند محطة الخروبة انتهت رحلتي .ودعت حافلتي .،اغتسلت وتوضأت وصليت صبحي ثم استقليت باصا آخر الي وسط المدينة ..هي ذي تافورة .كم مررت من هنا .كم حلم تعلقت به هنا وقتله اليكسوميين لعنة الله عليهم .كم لي من حلم قتيل هاهنا ، .يوم جئت هذه المدينة في التسعينات قادما من صحرائي . واحسست شريط الزمن يعود الي الماضي الضائع .وانا اتسمر في الشمس في انتظار باصات الطلبة المكتظة وقت الذروة .تافورة .قلب الجزاىرالحبيبة .
وقلبي، و.يا لقلبي .؛يا للأشجان ؛هاهي تافورة وهاهو تمثالها .الشيخ الذي لايكل أبد الدهر وهو .يكدح وينادي حي علي العمل يحمل الصخرة علي ظهره ويحمل الفكرة و الوعي والكفاح .ها هو أمامي والعرق يتصبب من جبينه في هذا اليوم الحار .هاهو الميناء وهاهو الجسر .طريقي الذي كنت أسلكه كل يوم إلي الجامعة .خلف الميناء .تحتي سكة القطارالتي تفضي الي محطة الآغا .البحر يمتد ويحاذي جهة ساحة الشهداء. ،هاهو البريد المركزي .وملتقاه .وهاهو ديدوش مراد والجامعة. هاهي الجزائر البيضاء بعد عقود من الزمن