رسالةٌ إلى ظلّي

رسالةٌ إلى ظلّي

مروة آدم حسن

صباح الخير أيُّها الظلُّ البائس 

هل تذكُرُني؟

أنا تلك الفتاةُ التي كُنت ترقُصُ على صوتها وهي تُنشِدُ قصائد ابن زيدون، تلك القصائد التي كان فيها العاشق المظلوم، الرجُل الذي تركتهُ حبيبته الظالمة.. 

في الحقيقة أن ابن زيدون لم يقُل ذلك، أنا من كُنتُ أقول ذلك.. 

كُنتُ أقرأُ قصائد ابن زيدون وأقول في نفسي، كيف تترُكُ امرأة رجُلا كهذا يقول فيها قصيدة كُل يوم؟!، كيف استطاعت أن تتخلّى عن رجُلٍ أحبّها كُلّ هذا الحُب؟!. 

لقد كُنتُ أقرأُ قصائده فأرى قلبه بين أشطارها، شطرٌ ينبُضُ باسمها، وشطرٌ يصرُخُ بصورتها..

قُل لي يا ظلّي.. 

هل رأيت رجُلا يُرسل السماء كُلّها لكي تسقي أرض محبوبته؟

لقد رأيتُ ابن زيدون يفعلُها عندما قال

يا ساريَ البرقِ غادِ القصر واسقِ بِهِ

مَنْ كان صِرْف الهوى والودِّ يسقينا..

كُنتُ أقولُ في نفسي ما هذه الحبيبةُ الجاحدة؟!، كُنتُ حينها مُمتنّة لأنّني لا أُشبهها، وأنّني لو كُنتُ مكانها لتشبّثتُ بعباءة ابن زيدون، لتمسّكتُ بيديه، لرميتُ نفسي بين أحضانه.. 

رغم أنني حينها كُنت أرى نفسي دون قصائد الشعراء، صغيرة جدا كذرة غُبار في فضائهم..

ومضتِ الأيام وأنا أرى نفسي صغيرة وبعيدة عن أعين الشعراء وقصائدهم، لم أعُد أقرأ لابن زيدون، منذ آخر مرّة قرأتُ قصيدته وأنا أبكي، أبكي كسارية برق تذرف ماءها في كُل وادٍ، ينبُتُ الربيع فيه، ولا أحد يقول أنها مرّت من هُنا.

مضتِ الأيام وقرأتُ لولّادة ، فوجدتُ فيها أنثى مزجت بين الحياء والجُرأة، وجدتُ فيها امرأة تُشبهني، وقبل أن أعرف أنها تلك المرأة التي كان يهواها ابن زيدون، كنت قد وقعت في حب ابن زيدونٍ مثله

وكأن هذا التاريخ يا ظلّي أراد أن يُنصف ولّادة في مُخيّلتي التي لعب فيها ابن زيدون وأمثاله.

قال لي شاعرٌ ذات مرّة، وهو يلعب بمجازاته، أنني أعطي قبلتي لكل من يشتهيها، وأنني بائعة هوى؛ أبيع نفسي على كل ريح، وأهبُ قلبي لكل طارق ليل.. 

وهو يُعيد على مسمعي أبيات ولّادة:

وإني والله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

أمكن عاشقي من صحن خدي

وأعطي قبلتي من يشتهيها

ثم قال بسماجة، كسماجتك يا ظلّي، أنه لا يقصد أن يطعن في شرف ولّادة

لا أعلم كيف ذلك، لكنّني أدرتُ ظهري له وروحي تسيلُ منّي!

 في ذلك اليوم فقط عرفتُ شعور ولّادة، عرفتُ لمَ كانت جاحدة، لم هجرت حبيبها، لم كانت تكابر رغم كل الحب الذي كانت تحمله له.. 

رحلتُ عنه.. فارقته.. هجرته.. 

بعد كل خطوة في ابتعادي عنه كنت أرمي خلفي قصيدة، وشّيت طريق الفراق بالقصائد، كانت قصائدي كالمصيدة، فيما كان هو  يقف بعيدا، كالطائر الحريص، ينظر لظلّي الموشّى بالشعر، تارة يلمسه، وتارة يهمس بين أكتافه، يقول له:

مرحبا أنا ظل شاعرة سمج..

مرحبا أنا فزاعة الحقل ..

في الصباح تخافني الطيور..

في المساء تهابني الغربان..

وفي الليل أعمل كبائعة هوى..

كل الرجال الذين اقتربوا مني

أصبحوا شعراء 

إلا الشعراء 

خافوا أن أُطيّر عقولهم مع العصافير

وأقصقص أجنحتهم

وأدفنها في بطن غراب

شاعر واحد وقف في آخر الحقل لم يخطُ ناحيتي قصيدة واحدة؛ كان يعرف أن القصائد مصيدة.. شاعرٌ واحد يعرف أن ولّادة كانت صيّادة فاشلة،  لكنّه لا يعرف أنها وشّت الأرض بظلّها المُثقل بالاتهامات نكاية في ابن زيدون..

وها أنا بعد التنائي والتجافي أبكي على ولّادة،

أبكي عليها وهي تخرُج بخيبتها مرّة أُخرى، تنفض غبار التاريخ عن قصائدها، تزيح ألسنة المتقوّلين من عنقها، أبكي لأنها أتتني بغصّة جديدة؛ لأن شاعرا قرّر أنها تُشبهني!

أنا الجبانة التي رفضت أن توشي ثوبها بقُبلةٍ واحدة..

قُبلةٌ على شكل قصيدة جاءت في غير موعدها

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :