مؤمن سمير
مرت أزمانٌ قبل أن أُطيِّرَ أكياسَ “الجلوكوز” وأراقبَ ارتطامها بالتراب وشقاوةَ الضجيجِ والهواء…
أيامٌ ممتدةٌ وعجفاء، كنتُ أخشى أن أنسى أطنان المحبة التي كان الزائرون يخلعونها من لحمهم وجوالاتِ البَسَماتِ تُهَيِّئُ الغرفةَ للأمطارِ وللجداتِ وسهمِ الصديقِ المحترقِ بالرقصِ…
كنتُ أرتعد من فكرة أنني عدتُ مثلهم، وأتيهُ بكوني أُجبرهم على التشخيص المُتْقَن… ظنوا أن أدوارهم صدئت في قوالبها حتى جئتُ أنا لأرسمَ الزوايا الأخرى، أنا الحقيرُ الذي لا ينهضُ إلا بذراعِ أخٍ كريمٍ ولا يتنفسُ إلا بنسيمِ جارةٍ ولا يُنَقِّلُ عينيهِ في المكان، إلا بجفونِ رجلٍ لهُ ذكرياتٌ مع القسوة…
أنا الميتُ الفاعلُ
مُحرِّكُ العرائسِ ومُشَكِّلها كل صباح…
بالأمسِ بَنَيْتُ هرمًا من العلبِ، هرمًا في قلبهِ مقبرةٌ وأريجُهُ مُبَطَّنٌ بالوَهَجِ، خلف ظهرهِ تختبئُ الشمسُ لتبكي وتفرش كلامها تحتَ السفحِ… المغامرون مروا من هنا وسابوا شرايينهم في أبعدِ بلدٍ في الخيالِ وصوتُهُم زينوا به خطوة وَعْلٍ بريٍّ،
والمجانين يَبُصُّونَ لِقِمَّتِهِ فيحلمونَ بالبريقِ…
سريري، الضيقُ الواسعُ على مَنْ لا ظِلَّ لهُ ولا سحابة، أرشُّهُ بماء النسيانِ وأُعيدُ حَفرَ ملامحهِ وأُرَبِّتُ على القاربِ الذي أصنعُهُ تحتهُ… مركبٌ يُرَنِّمُ جنازةَ الزَّبَدِ والهاربينَ من المذبحةِ للخوفِ، يراقبُ العاشقينَ الذينَ خَبَّوا تحتَ رياحهِ قبلةَ النهارِ الأولِ… أصنعُ من غرفتي منطاداً
أتعلقُ في رياحه وأُطِلُّ على المهرجينَ المرتعشينَ والراقصينَ المُلْهَمينَ
والخَوَنَة…
أضحكُ
وأضعُ ساقًا خفيفةً لا أربطةَ فيها…
أنامُ مشلولاً بأصابعَ ثرثارةٍ
وفمٍ يدورُ …
و يلحَسُ
الأجنحةَ …