حوار : عمر بن خيلب
في ظل ما تشهده البلاد من تحوّلات سياسية وحراك انتخابي متسارع، تواصل فسانيا التزامها بدورها الإعلامي في نقل الحقائق وتقديم قراءة معمّقة لمجريات العملية الانتخابية داخل البلديات، باعتبارها إحدى أهم الاستحقاقات المرتبطة مباشرة بحياة المواطن وإدارة شؤونه المحلية.
وانطلاقًا من حرصها على وضع القارئ أمام الصورة الكاملة، تتبّع الصحيفة كل ما يدور داخل أروقة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من استعدادات وتحديات وضوابط، وما يرافقها من جهود تنظيمية لضمان أعلى درجات الشفافية والنزاهة.

وفي هذا السياق، أجرت فسانيا حوارًا موسعًا مع عضو مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أبوبكر علي مردة، الذي قدّم من خلاله صورة واضحة ومتكاملة حول سير العملية الانتخابية، بدءًا من تطبيق التسجيل الإلكتروني للمرة الأولى، مرورًا بالترتيبات الأمنية واللوجستية، ووصولًا إلى نسب المشاركة اللافتة في الجنوب والتحديات الميدانية التي تواجه البلديات هناك.
كما تناول مردة في حديثه تأثير حملات التوعية الإعلامية، ومدى حماية المفوضية من أي ضغوط سياسية، مؤكدًا التزامها الكامل بالقوانين وبمبدأ الشفافية في كل مراحل العملية الانتخابية.
وتضع فسانيا هذا الحوار بين يدي القارئ لفهم ما يجري خلف المشهد الانتخابي، وما تبذله المفوضية من جهود لضمان انتخابات نزيهة تمثّل إرادة المواطنين وتدعم المسار الديمقراطي في ليبيا.
التسجيل الإلكتروني… خطوة جديدة في المسار الانتخابي.
وعند التطرق إلى المستجدات التي أدخلتها المفوضية على العملية الانتخابية مقارنة بالانتخابات السابقة، أوضح أبوبكر علي مردة أن المفوضية خطت هذا العام خطوة مهمة نحو تحديث إجراءاتها من خلال إدخال منظومة التسجيل الإلكتروني لأول مرة في عدد من البلديات. وشملت التجربة بلديات القرضة وبراك الشاطئ وبئر الغنم والمنشية وزلطن، حيث جرى اختبار المنظومة ميدانيًا لقياس قدرتها على تحسين سهولة الإجراءات وتقليل الأخطاء التقليدية المصاحبة للتسجيل الورقي.

وأوضح مردة أن هذه الخطوة جاءت نتيجة دراسة فنية مسبقة أظهرت حاجة بعض البلديات إلى آليات أكثر تطورًا تتناسب مع خصوصية مناطقها الجغرافية وكثافة السكان فيها، إلى جانب رغبة المفوضية في مواكبة النظم الانتخابية الحديثة.
وأضاف أن التجربة أثبتت نجاحها من خلال سرعة التسجيل، ودقة البيانات، وتقليل الازدحام في مراكز الاستقبال، مما خلق انطباعًا إيجابيًا لدى المواطنين والمراقبين على حد سواء.
وأشار إلى أن التجربة كانت ناجحة لدرجة دفعت عددًا من البلديات إلى اعتماد التسجيل الإلكتروني خلال يوم الاقتراع نفسه، بعد أن لمست مزاياه العملية وفائدته في تسريع العملية وتنظيمها.
واعتبر مردة أن نجاح هذه التجربة يمهد لتوسيع استخدامها مستقبلًا في بلديات أخرى، بما يساهم في تحديث العملية الانتخابية في ليبيا وتعزيز ثقة المواطنين في الإجراءات المعتمدة.
ضمان الشفافية والنزاهة.

وعند التطرق إلى كيفية ضمان الشفافية والنزاهة داخل العملية الانتخابية، شدد أبوبكر علي مردة على أن المفوضية وضعت هذا المبدأ في صدارة أولوياتها، معتبرًا أن الشفافية ليست خيارًا ثانويًا، بل هي شرط أساسي لنجاح أي عملية انتخابية. وأوضح أن المفوضية تعتمد سياسة النشر المفتوح لكل قراراتها عبر منصاتها الرسمية، بما في ذلك القرارات التنظيمية والبيانات التوضيحية وتقارير سير العملية، وذلك بالتنسيق مع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، لضمان وصول المعلومات كما هي دون تأويل أو تضليل.
وبيّن مردة أن المفوضية لا تعمل بمعزل عن محيطها، بل تعتمد على شبكة واسعة من شركاء العملية الانتخابية، وفي مقدمتهم مؤسسات المجتمع المدني التي تتولى مراقبة جميع المراحل، بدءًا من فتح سجل الناخبين مرورًا بعملية الاقتراع وحتى إعلان النتائج. وتقدّم هذه المؤسسات تقارير ميدانية مفصلة توثق الخطوات والإجراءات، وتُرفع إلى المفوضية باعتبارها جزءًا من عملية الرقابة المستقلة.
وأضاف أن وسائل الإعلام تلعب دورًا موازيًا في هذا الجانب، إذ تمثل عينًا رقابية على الإجراءات، ومصدراً لنقل المعلومات الصحيحة للمواطنين، ما يعزز ثقتهم في العملية الانتخابية ويحد من الشائعات والمعلومات المضللة.
وأشار مردة إلى أن المفوضية تشجع حضور الصحفيين والمراقبين في كل مراحل العملية.
كما أكد أن السلطة القضائية تشكل ركيزة أخرى لا تقل أهمية في ضمان النزاهة، حيث تتولى مسؤولية النظر في الطعون الانتخابية ومراجعة القوائم واعتمادها قانونيًا، مشددًا على أن المفوضية تلتزم التزامًا كاملاً بتنفيذ أي حكم قضائي يصدر عنها، سواء كان من المحاكم الجزئية أو الاستئناف.

ولفت مردة إلى أن هذه المنظومة المتكاملة بين المفوضية والمجتمع المدني والإعلام والقضاء، هي الضمان الحقيقي لنزاهة العملية الانتخابية ولتعزيز ثقة المواطنين في نتائجها.
تقييم التجربة الماضية
وعند فتح ملف تقييم الانتخابات السابقة على مستوى البلديات، قدّم أبوبكر علي مردة قراءة موسّعة لما جرى خلال الاستحقاقات الماضية، موضحًا أن المفوضية تلقت تقارير عديدة من مؤسسات المجتمع المدني ومن فرق المراقبة المنتشرة في مختلف المناطق، وكلها تؤكد أن العملية الانتخابية سارت بدرجة عالية من التنظيم والنجاح، سواء في المنطقة الشرقية أو الغربية أو الجنوبية.
وأشار مردة إلى أن نسب المشاركة كانت لافتة في مرحلتي التسجيل ويوم الاقتراع، حيث أظهرت البيانات إقبالًا جيدًا من الناخبين، الأمر الذي يعكس استعدادًا شعبيًا واسعًا للانخراط في العملية الديمقراطية.
وأضاف أن هذا الإقبال يعكس أيضًا حجم الثقة التي يُوليها المواطنون للمفوضية، وللضمانات التي وفّرتها لتسيير العملية بسلاسة وشفافية.

وأفاد بأن هذا النجاح لم يكن نتيجة ظرف عابر، بل هو ثمرة جهد مؤسسي قائم على إجراءات واضحة وتخطيط دقيق والتزام كامل بالمعايير المهنية. واعتبر أن التقييم الإيجابي الصادر عن الرأي العام والمراقبين يمثل شهادة مهمة للمفوضية، ويدفعها للعمل على تعزيز نقاط القوة ومعالجة أي ملاحظات أو تحديات برزت في التجارب السابقة.
وختم مردة بالإشارة إلى أن هذا التقييم يشكل قاعدة يبنى عليها، وأن المفوضية تستند إليه في تطوير أساليب عملها والارتقاء بالأداء في الانتخابات المستقبلية، بما يضمن استمرارية نجاح العملية الانتخابية وتعزيز ثقة المواطنين فيها.
التحديات التي تواجه العملية الانتخابية
وفي سياق الحديث عن الجوانب التنظيمية، برز سؤال حول أبرز التحديات التي تواجه المفوضية أثناء إدارة العملية الانتخابية.
وفي هذا الإطار، أوضح أبوبكر علي مردة أن أولى هذه التحديات تتعلق بالإطار القانوني المنظّم للانتخابات، مشيرًا إلى أن بعض النصوص قد تتضمن إشكالات أو جزئيات لا تتوافق بشكل كامل مع المعايير الدولية، الأمر الذي يستلزم من المفوضية إعداد لوائح تنفيذية تفصيلية لسد هذه الثغرات وضمان انسجام العملية الانتخابية مع القواعد المهنية المطلوبة.

وأضاف أن التمويل يمثل تحديًا لا يقل أهمية، إذ يؤدي تأخر الجهات المعنية في توفير الميزانيات اللازمة إلى إبطاء سير العملية، ويؤثر مباشرة في الجوانب اللوجستية والإدارية التي تحتاج إلى تغطية مالية مسبقة. ومع ذلك، أكد مردة أن المفوضية استطاعت تجاوز العديد من العقبات من خلال التنسيق المستمر مع المؤسسات الحكومية والشركاء الداعمين، مما مكّنها من الحفاظ على سير العملية الانتخابية ضمن الحدود المقبولة من الجاهزية والتنظيم.
وأشار إلى أن التحديات، مهما تنوعت، لا تثني المفوضية عن أداء مهامها، بل تدفعها إلى تعزيز قدراتها وتطوير آليات العمل لضمان تنفيذ انتخابات تتسم بالنزاهة والشفافية في مختلف البلديات.
الجنوب.. أعلى نسب المشاركة في ليبيا
وانتقل الحوار إلى سؤال حول مقارنة سير العملية الانتخابية في الجنوب ببقية المناطق،
وقد ذكر مردة أن الجنوب سجل أعلى نسب في تسجيل الناخبين والمشاركة في يوم الاقتراع، حيث تجاوزت نسب المشاركة في المجموعتين الأولى والثانية 70%، وفي المجموعة الثالثة تجاوزت 60%.
وأضاف أن هذا الإقبال يعكس وعيًا كبيرًا لدى المواطنين، مشيرًا إلى أن بعض المناطق استلمت أكثر من 95% من بطاقات الناخبين، وهو ما يدل على إدراك عميق لأهمية الانتخاب وتغيير المجالس البلدية عبر الوسائل الديمقراطية.

صعوبات ميدانية تواجه البلديات الجنوبية
وعند مناقشة الصعوبات التي تواجه البلديات الجنوبية أثناء العملية الانتخابية، قدّم أبوبكر علي مردة وصفًا دقيقًا للواقع الميداني، مستندًا على مشاهداته المباشرة خلال الجولات التي قام بها إلى عدد من المكاتب والمراكز الانتخابية. وأوضح أن الجنوب يواجه تحديات استثنائية، في مقدمتها تهالك الطرق وصعوبة التنقل بين المناطق، الأمر الذي يعرقل حركة موظفي المفوضية، ويؤثر على سرعة نقل المواد الانتخابية، ويُضاعف الجهد المطلوب لتأمين المراكز.
كما أشار إلى غياب وسائل إعلام محلية فاعلة في بعض المدن والقرى، وهو ما يحرم المواطنين من وصول المعلومات الدقيقة المتعلقة بمراحل الانتخابات، ويضع عبئًا إضافيًا على المفوضية في إيصال الرسائل التوعوية للمجتمع.
ورغم هذه التحديات، أكد مردة أن الجنوب أظهر مستوى عاليًا من الإقبال، حيث تعكس نسب المشاركة المرتفعة رغبة حقيقية لدى المواطنين في ممارسة حقهم الانتخابي، مما يشكل دافعًا قويًا للمفوضية للاستمرار في تنظيم الانتخابات في هذه المناطق، وتكثيف جهودها لتجاوز العقبات الميدانية مهما كانت صعبة.
هل تواجه المفوضية ضغوطًا سياسية؟
في ظل الانقسامات السياسية التي تعيشها البلاد، تم سؤال مردة عن احتمال وجود ضغوط للتأثير على نتائج الانتخابات،
فأكد بثقة أنه حتى اللحظة لم تواجه المفوضية أي تدخلات أو ضغوط تتعلق بالنتائج، موضحًا أن مركز العد والإحصاء بالمقر الرئيسي يتولى إدراج كل النتائج إلكترونيًا، ثم تدقيقها ومطابقتها مع بيانات المفوضية قبل اعتماد النتائج الأولية.
دور الإعلام وحملات التوعية في تعزيز المشاركة الانتخابية.
وعند سؤالنا عن مدى تأثير حملات التوعية الإعلامية في رفع نسب المشاركة الانتخابية، أوضح أبوبكر علي مردة أن الإعلام يشكّل عنصرًا محوريًا في توجيه المواطنين وتعريفهم بإجراءات التسجيل والاقتراع، مؤكدًا أن الرسائل الإعلامية الواضحة والدقيقة تسهم بدرجة كبيرة في تعزيز الثقة وتشجيع المشاركة الشعبية. وبيّن أن الإعلام، من خلال قدرته على الوصول المباشر للشارع، يلعب دورًا لا غنى عنه في نقل المعلومات الصحيحة والتصدي للشائعات التي قد تُربك العملية الانتخابية.
ومع ذلك، أشار مردة إلى أن هذا الدور يواجه تحديات واقعية، أبرزها صعوبة وصول الحملات التوعوية إلى القرى والمناطق النائية، إلى جانب ضعف إمكانيات مؤسسات المجتمع المدني في بعض المناطق، ما يجعل جهود التوعية محدودة أو مرهونة بمبادرات فردية.
وفي هذا السياق، وجّه مردة رسالة واضحة لأهالي الجنوب، دعاهم فيها إلى المشاركة الفاعلة والابتعاد عن الاكتفاء بدور المراقب

مؤكدًا أن اختيار شخصيات كفؤة ونزيهة لإدارة البلديات هو أساس تحسين الخدمات والنهوض بالمناطق الجنوبية.
كما دعا وسائل الإعلام إلى الاستمرار في أداء دورها الداعم للعملية الانتخابية، منذ فتح سجل الناخبين وحتى انتهاء يوم الاقتراع، باعتبارها شريكًا رئيسيًا في رفع مستوى الوعي وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم الانتخابية.
ختام اللقاء… رؤية فسانيا للمشهد الانتخابي وتأكيد دور الإعلام.
وفي ختام هذا اللقاء، كان من الضروري التوقف عند الندوة التي قدّمها مدرب التوعية الانتخابية رمضان كرنفودة حول “دور الإعلام في العملية الانتخابية”.
وقد شدّد خلالها على أن الإعلام يمثل حلقة الوصل الأساسية بين المواطن والعملية الانتخابية، وأنه ركيزة مهمة في ترسيخ الشفافية وبناء الثقة العامة.
وأكد كرنفودة أن تطوير الأداء الإعلامي ومواكبة جميع مراحل العملية الانتخابية، من التسجيل وحتى إعلان النتائج، يشكلان ضرورة لتعزيز المشاركة وضمان وصول المعلومات الصحيحة للناخبين.

وبذلك، تضع فسانيا بين يدي القارئ صورة شاملة ودقيقة لما يجري خلف كواليس العملية الانتخابية، من جاهزية واستعدادات ومعايير وضوابط وتحديات، وفق ما قدّمه عضو مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أبوبكر علي مردة من معلومات وتحليلات خلال هذا الحوار. وتؤكد الصحيفة استمرارها في متابعة الملف الانتخابي بكل تفاصيله، إيمانًا منها بأن الوعي الانتخابي والمشاركة الشعبية يمثلان حجر الأساس لتطوير العمل البلدي وترسيخ المسار الديمقراطي في ليبيا.
وحتى تكتمل المراحل المقبلة من هذا الاستحقاق الوطني، ستظل فسانيا قريبة من الحدث، ترصد، تتابع، وتضع الحقيقة كاملة أمام المواطن.














