كتب :: د- أحمد الأزهري
أثمن ما يملك الإنسان في هذه الدنيا هو عمره، فالإنسان مجموع أيام، كلما ذهب يومه ذهب بعضه، ولذلك نبّه النبي صلى الله عليه وسلم على غبن من أضاع وقته في غير فائدة، فقال:(نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) [البخاري] فالبَـوْنُ شاسع بين إنسان فارغ، يشكو من الملل وينقم على القدر، وبين إنسان عامل مفكر، أو مبدع، أو مصلح، لا يكاد ينتهي من عمل، حتى يبدأ في آخر، يتمنى أن يشتري أعمار الخاملين والكسالى ..هذا الإنسان يكون أثره ـ على قصر عمره ـ من بعده لا يساويه ألف من الفارغين بأعمارهم الطويلة. والمضيع لوقته ظالم لنفسه ، قاطع لرحمه ، مضيع حقوق أهله.. ومن أسوأ ما ابتلينا به في هذه الأيام تضييع الأوقات في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المقاهي، وتضييع المسؤولية الملقاة على عاتق الكثيرين منا، والتي سيحاسبنا الله عليها، وهي الرعية التي استرعانا الله إياها، كل فيما يخصه (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْهُمْ…) متفق عليه. أيها القابع أمام جهاز الكمبيوتر أو على الهاتف ليلًا ونهارًا..هل أديت حقوق الله وحقوق عباده عليك ؟ هل صليت المكتوبات في جماعة؟ أم أنت من الذين ضيعوها فضلّوا بتركهم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ..نعم أنا أقصد ما أقول ففي الصحيح من سره أن يلقي الله تعالى غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم…” رواه مسلم أيها الغافل عن أهله المضيع حق زوجه وولده !! من للمسكينة التي تركتها في البيت، لا تجد من تتحدث معه أو تشكو إليه ..متزوجة وغير متزوجة ..لها رجل ولكنه للأسف ليس رجلًا..هل سألت عن أولادك في الوقت الذي تهدره وأنت على مواقع التواصل أو على المقاهي ؟ هل تعلم أين هم؟ هل تابعت تعليمهم ؟ هل حفظتهم القرآن؟ هل تعلموا منك الأخلاق الحميدة؟ هل جلست معهم واهتممت بما يفكرون؟ هيهات !! وأنت حي من الأموات إن حق زوجتك وأولادك يقدم على أداء النوافل من الطاعات، فكيف بالمعاصي والملهيات … ؟! عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ فقالتْ: أخوكَ أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال له: كُلْ، فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكل حتى تأكُلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال: نم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال: سلمانُ: قُم الآن، فصلَّيَا، فقال له سلمانُ: إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «صَدَقَ سلمانُ» أخرجه البخاري أرأيت كيف منع سلمان أبا الدرداء رضي الله عنهما من الصيام وقيام الليل النافلتين حتى يؤدي حق أهله؟ فكيف بك وأنت تضيع الحقوق بإهدار الأوقات وإهمال الطاعات؟! أخي الكريم.. اعلم أنك لو دمت على هذا التفريط فلن تفيق من غفلتك، إلا وأنت مطلّق لزوجتك أو فاقد لأولادك.. أو مفاجأ بانحراف أولادك بسُكرٍ أو مخدراتٍ أو رذيلةٍ، أو حتى قد يصبح أحدهم ملحدًا وأنت غافل عنه.. فهل لك أن تفيق وترجع؟! اجعل لكل شيء وقتًا لا يتعداه، مهما كانت المغريات، فوقت لربك طاعة وعبادة، ووقت لأهلك محبة وأنسًا ورعاية، ووقت لنفسك راحة وترفيهًا فيما لا يغضب الله، واحذر أن يجور حق على آخر.. إني لك من الناصحين.