بقلم :: علي عقيل الحمروني
ولقد توصل كاتبنا الراحل إلى هذه النتائج الخطيرة والجذرية بمعونة منهجين مختلفين في الوظيفة أحدهما منهج التحليل التاريخي والآخر منهج التحليل البنيوي ، بالإضافة إلى استعانته بعلم الأديان المقارَن ، حيث قادته طريقته الخاصة في توظيف مثل هذه الأدوات إلى اعتبار أن هذه الشريعة المعطاة والمقدمة على أنها شريعة الله سبحانه وهو الغني الحميد ليست سوى شريعة الأعراب والإقطاعيين من سلاطين بني أمية وبني العباس وغيرهم !!
إذن فإن هذه الشريعة البديل – في نظر النيهوم – ليست سوى ” مدونة تاريخية ” تعبر عن واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي وعقائدي … خاص ، بل إنها ليست سوى جفراً يضم تعاليم وتوجيهات ليس لها من فضيلة سوى تدعيم الجهل التعصب والانغلاق وإمداده بأسباب الحياة والاستمرار ، والدعوة بإصرار إلى اعتبار التنوّع والاختلاف في الثقافات وأنماط التفكير ضرباً من ضروب الشقاق والزندقة التي تهدد الدين والدنيا معاً !!
فكاتبنا الراحل يبدي تأرقاً وألماً دامياً لأمر الأمة ، ولِما آلت إليه أحوالها ، ويشده همّ الحياة الكريمة الآمنة الصالحة التي يرى أنه لا يمكن لهذا المفهوم السائد حول الدين أن يؤهلنا لها أبداً بل أنه سيقودنا – تحت غطاء المقدس – إلى تأسيس كافة عوامل التخلف والفساد و الانحراف !!
فهل ينتظر حتى تستيقظ الأمة من سباتها وتتضافر جهودها وتلتفت إلى تجديد دينها الذي علاه تراب الأوهام والأساطير ، وغطاه مبدأ الصراعات وعقلت قوائمه حمّى الجهل والتعصب والانغلاق !؟
هذا ولا شك بعيد المنال .. قد ينقضي العمر ويفنى قبل أن نخطو فيه خطوة واحدة لا خطوات!!
أم هل يروم الوضع ويتأقلم مع المصائب المتلاحقة ويهضم كل ما تجود به انعكاساتها المخيفة التي تسقطها الثقافة السائدة على الدين ، ويزوّر عقله ويسحره ليستمرئ هذا الدين المنحول ويستسيغه !!؟
أم هل يختار وضعية التمرد والرفض والقطيعة مع القضية برمتها ، ليستريح من هموم الأمة والدين معاً !!؟
أم يصمم على الإقدام والمغامرة ضارباً بكل ما لا يتوافق مع المهمة التي يجب أن يهب نفسه لأجلها عرض الحائط ، مضحياً بكل ما يمكن أن يحظى به المرء من جراء تآلفه وتلاؤمه مع السائد ومن جراء التملق له ، لتحصيل المكانة أو الحظوة ، أو على الأقل الحياة الخالية من الهموم والمنغصات !!؟
ولكن كاتبنا قد اختار الطريق الأصعب والموطئ الوعر الذي يراه ملائماً لطموحاته وكرامته واستقلالية قراره ، وتحمَّلَ المسئولية تامة أمام الخالق والمخاليق دفعة واحدة ودونما تقسيط .
إذن فقد اختار طريق المواجهة والصراع مع الهيكل الديني التقليدي ومع كل ما يكمن وراءه من قوى اجتماعية وسياسية وثقافية وما يمتلكه من قواعد وأطر مرجعية مؤسسة ، وسلطان ثقيل متمدد !!
وهذا ولا شك ليس بالمهمة المتواضعة ولا الهامشية إنما هي مهمة ضخمة وخطيرة ، وجذرية ، لابد وأنها ستنطوي على ضرورات وشروط لا يمكن للكاتب إلاّ توفيرها واستيفاؤها وإلاّ عُدَّ عمله هذا عملاً اعتباطياً ، ومجانياً لا يحظى بأي قدر من الاحترام والتوازن اللازمين للعمل العلمي الرصين .
ونحن لا نشك أبداً بأن عملاً على هذه الدرجة من الجذرية والخطورة ، لابد وأن ينطوي على ضرورة تأسيس مرجعيات ومعايير جديدة بدل المرجعيات والمعايير التي سيتم الإطاحة بها وإلاّ فكيف له أن يبني تصوراته ويؤسس مناهجه التي يريد لها أن تكون النواة الأساسية في الوعي الجديد الذي يدعونا إليه ؟
وأولى الخطوات التي نعتقد أن الكاتب الراحل قد اتجه إليها هي تقويم الانحراف المفاهيمي القائم بالعلاقة ما بين الرب والعباد .
فدعونا نتعرف على الكيفية المفترضة لصياغة هذه العلاقة على ضوء ما أمدنا به الكاتب من أفكار ومفاهيم كانت قد تناثرت في ثنايا الكتاب .
يتبع