- المستشارة القانونية : فاطمة درباش
يمثل الفساد الإداري انحرافاً غير مشروع للنظم والقواعد القانونية في الوظيفة العامة، والأهم من ذلك أنه يمثل انتهاكاً للمعايير والقيم الأخلاقية التي تتطلبها الوظيفة العامة، وبالتالي تشكل أخلاقيات الوظيفة خط الدفاع الأول وصمام الأمان للوقاية من الفساد الإداري ومكافحته من المنبع والقضاء عليه من جذوره؛وللفساد الإداري آلياته ومظاهره وآثاره ومضاعفاته التي تؤثر في تقدم الدول وتخلفها ومن ثم على نسيج المجتمعات وسلوكياتها.
فيعتبر الإهمال في أداء الوظيفة العمومية خرقا وخروجا واضحا عن مبادئ النزاهة والحياد وأخلاقيات العمل الإداري التي يجب أن يتحلى بها أي موظف عمومي، لأنه ينبئ عن سوء نيته وقصده وانحرافه عن واجباته الوظيفية؛وتصنف ليبيا ضمن أكثر دول العالم انتشاراً لظاهرة الفساد الإداري، والتي ترتب على استفحالها تعثر مسيرة التنمية، وهذه الظاهرة أصابت الجهاز الإداري في ليبيا منذ عقود، فالفساد الإداري والمالي يوجد على مستويات مختلفة من مؤسسات الدولة، فهو يوجد في جميع الأنشطة الحكومية المختلفة، خاصة القيادات الموجودة على هرم الجهاز الإداري.
الفساد الإداري عند المحافظين بأنه ” سلوك بيروقراطي منحرف يستهدف تحقيق منافع شخصية بطريقة غير شرعية. “أما الفساد الإداري عند فئة المتساهلين وهو أيضاً سلوك إداري غير رسمي بديل للسلوك الإداري الرسمي، تحتمه ظروف واقعية وتقتضيه ظروف التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي تتعرض له المجتمعات.
وتتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، كالرشوة ، المحسوبية ، المحاباة ، الواسطة، ونهب المال العام بنهب أموال الدولة بدون وجه حق تحت مسميات مختلفة.
وقد عرفت منظمة الشفافية الفساد بأنه إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة .
حيث يكون الفساد الإداري ظاهراً في الوظيفة العامة عندما يتعلق هذا النوع من الفساد بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف العام أثناء تأديته لمهام وظيفته في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية. وهذا يتمثل في الامتناع عن أداء العمل أو التراخي وعدم تحمل المسؤولية، وإفشاء أسرار الوظيفة، والمحسوبية في التعيينات الوظيفية، ومظاهره متعددة ومتداخلة وتكون سبباً في انتشار بعض المظاهر الأخرى؛ إن جريمة الرشوة هي الأخطر على المجتمع والأخلاق الخلقية من بين جرائم الفساد كلها حيث أنها لا تترك خلفها أثرا ماديا يمكن أن يقتفيه المحقق في أغلب الأحيان كونها تتم خلف الأبواب الموصدة وخاصة جرائم الرشوة الضخمة إذ أنها تمارس من قبل أفراد وجماعات تشغل وظائف عامة.
إنّ الفساد يعكس عدم أهلية القائمين بالإدارات في الوظائف العامة للمسؤولية بحكم تدني أخلاقياتهم، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والمحسوبية، والقبلية، وتدني الكفاءات الإدارية والفنية، لكن الفساد الإداري هو جزء لا يتجزأ من الفساد عموما وفي مقدمته الفساد السياسي، والفساد الاقتصادي، والفساد الاجتماعي.
فالفساد الإداري في الوظيفة العامة
ليس ظاهرة محلية، إنما هو ظاهرة عالمية تعاني من آثاره المجتمعات المتقدمة والنامية على السواء، وفي الدول النامية أكثر وأشد ضرراً.
ويعد الفساد الإداري المعرقل الرئيسي لخطط وبرامج التنمية إذ تتحول معظم الأموال المخصصة لتلك البرامج لمصلحة أشخاص معينين من خلال استغلال مراكزهم أو الصلاحيات المخولة لهم.
ختاماً نخلص إلى أن الفساد الإداري نتاج مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية والتنظيمية، ولا يمكن تحييد أي من هذه العوامل، فلابد من تحسين الوضع المعيشي للموظفين بالشكل الذي يتناسب والقدرات والجهد المبذول من قبلهم في العمل، عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة، كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سبباً مشجعاً على الفساد،كذلك يلزمنا تطوير النظام الإداري بحيث يمنح قدراً من حرية التصرف للموظفين لأن انعدام الحرية تعني المركزية الإدارية المفرطة التي تساهم في تغذية الفساد الإداري ،أيضاً لعل من أهم الأسباب لانتشار ظاهرة الفساد الإداري هو عدم وجود العدالة في توزيع الثروة داخل الدولة، كذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية وارتفاع تكاليف المعيشة من المحفزات الأساسية لانتشار تلك الظاهرة؛ فأعمال الفساد تتم بسرية ونادرا ما يتم الكشف عنها وخاصة التي تتم في الأوساط الرسمية العليا أو ما يسمى بفساد القمة حيث أنها تشكل فيما بينها شبكة تحيط أعمالها بالسرية التامة ولذا نادرا ما يتم كشفها.