بات من الصعب إسقاط هذه الخلاصة للمحكمة العليا على الأحكام القضائية الصادرة في ظل حالة الإحتلال وإن كان داخليا ، كيف يفكر قضاة طرابلس ؟ ، ألا تفترض العدالة القضائية قدرة القضاء علي اخضاع كل متهم في الدولة للمحاكمة ، والسؤال هنا : هل يستطيع النائب العام فتح التحقيق في قضايا القتل والتعذيب القسري و اختلاسات المال العام التي نستحي ذكر أرقامها ؟ نفترض الجرأة لنائبنا العام ونتساير مع هذا الإفتراض ونقول : هل بإمكان القضاء اخضاع مجرمي فبراير من القتلة وسراق المال العام لعدالته ؟ لا يختلف العاقل والمجنون على سخافة تحقق هذه الفرضية ، فالدولة باتت فكرة مفترضة هي أيضاً ولا مجال للتسليم بوجودها في ظل الفوضى العارمة والإنقسام اللامحدود ، ندعوا إلى وقف مثل هذه المهازل ، فقد شوهت قضاءنا الذي لطالما تغنينا بنزاهته ، فشبهة الإكراه متحققة ، وظروف الحال لا تمكن القضاء الجنائي تكوين عقيدته بكل حرية ، ولعل الدليل عجز القضاء النظر في الكثير من القضايا نظراً لتخوف القضاة حتى في القضايا غير الجنائية ، فما يحدث تعالي عن الواقع ، كما ان القضاء الليبي وان استقرت الظروف في الدولة فهو غير مختص بحكم الطبيعة العمومية للنزاع ، والقضاة هم جزء من المجتمع ، فلا يتصور حياديتهم في مثل هذا المُلِمْ الوطني ، لهذا فهم غير مستقلين ، ويخشى من تأثير العامل السياسي على القضاء في أحكامه ، فالقاضي المؤيد قد يكون مفتاح فرج لمجرمي نظام معمر القذافي ووسيلة انتقام من مجرمي انصار فبراير ، كما أن القاضي المعارض قد يكون أداة انتقام من انصار النظام السابق وفي ذات الوقت قد يكون مفتاح فرج لمجرمي فبراير ، وبين هذا وذاك تضيع الحقيقة والحق ، والحالة الليبية ليست سابقة ، فقد شهد التاريخ معالجة قضائية لمثل ما نعاني منه ، فقد انشأ المجتمع الدولي 5 محاكم خاصة مؤقة ومستقلة لعلاج حالات الصراع المجتمعي العام ، لهذا ما علينا الا التوجه للعفو والمصالحة أو استحداث محكمة دولية خاصة إن أردنا العدالة ، أما التوجه نحو سياسة المنتصر والمغلوب فهذه لم تعد تجدي ، فالمهزومون غلبهم الناتو وليس الثوار ، وهم قادرين على الدفاع على انفسهم ان فكر طرف الثورة استخدام العصا لتطويعهم لما يريدون ، كما ان المجتمع الدولي لن يقف متفرجا تجاه مجازر قد تحدث تحت ستار الثورة . كلمة لأغبياء السلطة والثروة والسلاح : العرف حكم ليبيا وهي في ظل القانون فكيف لا يحكمها في غيابه ، من لا يفقه الواقع سيصدمه لامحالة ، وما عليهم إلا الدخول للخيمة للتفاوض قبل سقوطها ، ومن لديه عقدة من الرمزية المعاصرة للخيمة أقول له لو نظرت للخلف قليلا لتخلصت من عقدتك ، ففيها ولد آباءنا وأجدادنا ، وفي ظلها فاوض أسد الصحراء فئرانها . ليبيا اليوم لا تبنى إلا بنهج السلام ، وهذا لا يتحقق إلا بالوفاق ، فلا سبتمبر ولا فبراير ستحقق مآربها ، فما تحتويه عقول أنصارهما ما هو إلا أضغاث أحلام ، وما نحن لتأويل الأحلام مؤكدين ، ونذكر بشكوى بعض المجاهدين للملك الراحل حول جواسيس الطليان من الليبيين ، فلم ينحى الملك منحى الإنتقام رغم أن ما فعل يعد خيانة للدين والوطن ، ولكن حكمته رأت أن الدولة خاصةً بعد تلك الحروب المدمرة لا تبنى إلا بالعفو والمصالحة ، حينها قال كلمته الشهيرة “حتحات علي ما فات” ، ولا بأس من طلب العدالة فيما ارتكب من جرائم ، ولكن الأمر يفرض بناء الدولة أولاً ، وبغير ذلك لا يمكن تحقيق العدالة ، ولعل الفقرة الثالثة من اتفاق الوحدة الوطنية بسرت بين الشرق والغرب في العام 1922م سابقة حملت معها كامل الحكمة حينما أرجأت أمر العدالة إلى حين بناء الدولة ، حفظ الله ليبيا وأهلها
أ – علي ضو الشريف