خاص تونس / فسانيا
استضاف الايام القليلة الماضية المركز الوطني للاتصال الثقافي الشاعرة الفلسطينية إيمان زيّاد في امسية شعرية فلسطينية بحضور كل من الاخ عادل الجريدي رئيس جمعية تونس للإبداع والسياحة الثقافية والشاعر التونسي محمد الجزيري والروائية الفلسطينية الحائزة على جائزة كتارا ثورة الحوامدة والصحافي عن التلفزيون الفلسطيني محمود بامية ومندوب صحيفة لا بريس التونسية ومشرف الملف الثقافي والفني بصحيفة فسانيا الليبية نيفين الهوني ولفيف من الشعراء والادباء والمتذوقين للشعر وقد ضمت الأمسية الشعرية تقديما للشاعرة وقراءة نقدية عن ديوانها “ماذا لو أطعمتك قلبي” للأستاذ الناقد والقاص والمترجم والسيناريست لأسعد بن حسين ثم قراءات شعرية للشاعرة إيمان زيّاد ،على اثرها فتح باب الحوار مع الحضور. وقد قدمت الأمسية الشعرية الاعلامية سماح قصدالله والتي قدمتها بهذه الكلمات الجميلة اهلا بعشاق الحرف وصناعه اهلا بأحباء الشعر ورواده.. في البداية اشكر مركز الاتصال الثقافي الذي نظم هذه الأمسية الشعرية والثقافية والتي تستضيف صوت من الأصوات الشعرية الجديدة في فلسطين من مواليد الاردن لكنها عاشت في فلسطين منذ طفولتها انها الشاعرة الفلسطينية ايمان زياد المتحصلة على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية وآدابها كما تحصلت على الماجستير في النوع الاجتماعي والتنمية تعمل الان في مجال التدريب والدراسات في التنمية والجندر الكتابة لديها هي “تدوين للتاريخ وحفظ روح هذا الوقت للأجيال القادمة”، كثافة اللغة وانزياحاتها وعمق الدلالة سمات بارزة في نصوصها الشعرية، شاعرة جريئة الي حد قولها: “أنا الجزء الذي يحاول كسر الإطار” والموهبة عندها إن لم تكن اصيلة ومتأصلة داخل ذات الكاتب وإن لم يدعمها بأدوات التطوير والتهذيب لا يكتب لها الاستمرار والتميز ديوانها الأول “شامة بيضاء” تأخرت كثيرا في اصداره رغم أنها بدأت الكتابة منذ سنوات بعيدة ، هذا الديوان كان بمثابة الانقلاب على المفاهيم بحد ذاتها كي تمنح قصيدة النثر حقها في أن تكون جنسا أدبيا قائم الذات بنكهة شعرية فريدة. وديوانها الثاني يحمل عنوان “ماذا لو أطعمتك قلبي” ديوان يجعلنا منذ البداية نطرح عديد الأسئلة فالشاعرة تحاول أن تسرد لنا فيه بشاعة ما يحيط بها في وطنها المسلوب بصورة قاسية موجزة لذيذة لكنها مغايرة عن السائد هذا الديوان الذي تنتصر فيه للنساء المكافحات القويات دائما وأبدا فتعيش حكاياهم وتتماهى معهم إلى حد الموت. هذا الديوان الذي سيقدمه القاص والمترجم والسيناريست الاستاذ لسعد بن حسين في مقاربة نقدية تغوص بنا في عوالم الشاعرة النفسية والاجتماعية والشعرية فمرحبا بكم
وعلى اثرها انطلقت الامسية الشعرية التي قرأت فيها الشاعرة العديد من النصوص من ديوانيها مع المراوحة بالتقديم للديوان الثاني والذي قدمه القاص والمترجم والسيناريست الاستاذ لسعد بن حسين في قراءة متأنية بدأها بصورة الغلاف واختتمها بشرح ووصف وتفكيك النصوص وأيضا مع أسئلة الحضور والتي أجابت عنها الشاعرة ايمان زياد باستفاضة وقد قالت أيضا بعد الامسية الاتي : منذ علمت بمجيئي إلى تونس حبيبة الروح غمرتني السعادة من رأسي حتى قدمي لأنّها منحة القدر لي لألتقي بصديقات وأصدقاء تركوا بصمة قرابة الدم في ذاكرتي في مرات ماضية، هذه البصمة التي لا يمكن أن تتغير مهمّا فرّقتنا المسافات والحدود، وسعدت أيضاً لمنحي فرصة ثالثة لأعمّق معرفتي ببهاء تونس الذي لا ينضب وأجدّد علاقتي معها حيث لفلسطين وتونس جذر واحد. كانت دعوتي من قبل المركز الوطني للاتصال الثقافي والتابع لوزارة الثقافة هناك لإقامة أمسية شعرية ونقاش لدراسة نقدية لديواني الثاني” ماذا لو أطعمتك قلبي” بمثابة مكافئة للفلسطينية التي تعبر المطارات بجناحي حنين واكتشاف لتونس الخضراء والتي لم يحالفني الحظ بأن أرى ما رآه أجدادي من جمال روحها وسعة حضنها في المرات السابقة كما ينبغي أن يكون. قبل الساعة الثالثة بعد الظهر من يوم الأثنين الماضي، توجّهت بصحبة القاص والناقد الأسعد بن حسين الذي أعتز بمعرفته إلى مركز الاتصال الثقافي في نهج سيدي بن عروس القصبة وتسابقنا الكاتبة والصحفية التونسية سماح قصد الله والروائية الفلسطينية ثورة حوامدة واللتان غرقتا في نقاش مؤجّل بخطوات أوسع من خطوتي ، كانت رطوبة البحر تتكاثف كغيوم ممتلئة فوق وجوهنا التي تلفحها شمس العاصمة الصيفية، وفي الحين الذي كانت الأرض تُطوى تحت أقدامنا في شارع الحبيب بورقيبة كانت المدينة العتيقة تستقبلنا بحجارتها المعتّقة كجدائل جدّات القرى في فلسطين وبخوّرها المحمول فوق أكتاف المارّة كان يشي بصدى اللاجئين المترنح في آبارهم المهجورة في البلاد المغدورة وظلّها المشابه لظلّ زيتونة أثقلها امتلاء حبّاتها بالزيت في القدس كان يرطّب حرارة أجسادنا المتسعة خطواتها، أمّا الأسعد فقد كان يقيس الخطوات المتبقيّة لبلوغ المركز ويقابها بالزمن وأعطتني الأمسية التي تميّزت بحضور الأحبة بين رفوف الكتب الأنيقة شحنة من الوجد والغفران لأي شائبة علقت ببدني مذ تعاقب عليه العمر ، من الغريب حقّا أن نكتب انطباعنا عن أمسية تشبه البحر إذ يغسل عنّا رمل الشاطئ، كيف لا تكون كذلك وأنا أرى في وجوه الحاضرات والحاضرين الترحيب والحبة والنظرة المنتظرة لاستماع نصّ آخر وقد افتتحت فراشة الصحافة قصد الله الأمسية بابتسامتها الصافية، قدّمتني للحاضرات والحاضرين بعيني صديقة مقرّبة فأثلجت قلبي بعفويتها وتلقائية اللقاء، ثمّ قدّم الأستاذ الأسعد بن حسين قراءة حول الديوان، وكم كان مختلفا في الزاوية التي نظر من خلالها إلى النصوص، استعرض فيها جولته في الديوان من لوحة دلقها الفنان التشكيلي رأفت أسعد فوق الغلاف وحتّى استفزاز بعض النصوص له بتأويلاتها المتعددة، الأمر الذي أسعدني بحق، لأنني أؤمن أن هذه النصوص منذ حررتها على الورق صارت طليقة لا سلطة لي على تأويلاتها التي يصيغها القارئ والناقد كما يشتهون، حينها كم فرحت لقدرتها على استفزاز كاتب وناقد قدير كالأسعد بن حسين. وهنا أريد أن أسرّ لكم بسرّ صغير أن أحب اللقاءات الأدبية على قلبي هي تلك اللقاءات التي تملأ فضاءها أسئلة الضيوف وتلاوة الشعر على طاولة واحدة، وكانت هذه الأمسية واحدة منها. يبقى أن أقول شكرا لكل من شاركنا الشعر هناك، وشكرا تونس على القبلات التي طبعتها في الذاكرة ولي معك لقاء قريب بإذن الله، ولنساء ورجال تونس لقاء في فلسطين الحرّة يوما ما، فالنصر صبر ساعة وقد قرأت بعض النصوص منها :
تَعلُّقْ
بِطَرَفِ إِصبعكَ
تعلّقتُ مِثْلَ طِفلةٍ مُصابَةٍ بالفقدِ
في ” مَولِدِ النبيّ موسى”،
يُبْهِرُني جَلالُ نَبضِك
كُلّما تَعالى المَديح،
وأفركُ مِنْ رأسي
نعاسَ ذاكرةٍ
ذاكِرتي الّتي تَأوي قبْلَ اللّيْلِ
إِلى موتٍ أَكيدٍ
كالّذي
ينتابُني إِذا صلّوا على وجعِ البلادِ،
وكلّما ثَقُلَ التُرَابُ
على صُدُوغِ الموتى؛
واحداً تلوَ الآخرِ ظَلَّوا يتدافعون
أمامَ طِفلةٍ ينقُرُ عينها سُؤالٌ مضطربٌ
ويتهامسون؛
“عَبَثاً أَنْ تَنسى وجهَ أمٍ مُحترقٍ”،
فتركتُ مائي في جِرارِ الحُزنٍ
وكفكفتُ وجهي من مرايا الخيّبةِ؛
فكيفَ بَعدُ أراني وأنا يا ربُّ
آفلةٌ في وجهِ أمّي