كتب :: عاشور الأطرش .
1- ربّما كان للصّورة المعتادة ، أو حبك العبارة أثرهما في انتشار وذيوع تلك العبارة دون الوقوف على ما وراء كلماتها من تأويلٍ سارب . ووقفة على ما قاله أحد الفلاسفة : ” إنّ خلف الكلمات كلمات ” أي عندما تقرأ عبارة انتبه إلى ماتشير إليه وتضمره ولو في كلمة من كلماتها ؛ هذه وقفة ربّما تلقي بعض الضّوء لإيضاح حقيقة وجلاء معنى . ” الطّيور على أشكالها تقع “، صورة مشوّهة وساخرة تتسرّب من تلك العبارة، وتوهم بأنّها تُشفي الغليل، وتُتيح الفوز على الطّرف الآخر من خلال الحطّ من قدره ومكانته . المفارقة هنا هى حشر الطّيور فيما لا ذنب لها ، إنّ الطّيور بطبيعتها تكون في شكل سرب أو أسراب تطير أو تحطّ حسبما يعنّ لها وترغب، فلمَ لا ننظر إليها مُحلّقة أو سابحة، أو عند هبوطها وحطّها ؟! .
لِمَ لا تكون لها هذه الصّورة الحقيقيّة الّتي لنا أن نرتاح لها وننعم بها ؟! . فَجَوْرٌ أن نضع سربًا من الطّير في قفص تفكيرنا السّاخر المُتشفّي . فهل كُتِبَ على الطّيور إمّا حبسها في أقفاصٍ أو لوكها في ذنبٍ هى منه براء ؟! . إنّ الّذي نطق بتلك العبارة جانبه الصّواب، فقد طبع الصّورة المشينة بدل الجميلة، وترك الحقيقيّة لينقل الزّائفة، وزحزح المعنى البليغ وركن إلى المعنى المُشوّه لغاية في نفسه، واستطاع أن يغرس في نفوسنا تلك الصّورة ؛ فشوّه الحسن وحسّن المشوّه وغير المقبول ، حتّى نمت تلك الشّتلة وغدا قائلها يحسب نفسه وقد أتى من البيان سحرًا، ومن المعنى أصدقه وأصوبه . ويبقى العتاب على من يُعيد لتك العبارة حضورها، وليبحث في المعاجم عن كلمات فيها يبثّ ما شيعنّ له ويريد ، وليدع لنا طيورنا على حالها، فما كانت إلاّ جميلة في سبحها ووقعها، رنّامة في صدحها ، خلاّبة في ألوانها . ونعم ” الطّيور على أشكالها تقع ” في صورة الألفة والبراءة، والصّحبة والجمال … وليس غير ذلك . إنّها لوحة الانسجام الّذي عجز عن تحقيقه الإنسان
. ” 1 ” هذه السّطور لإيضاح ما ترمز إليه العبارة في الوقت الحديث، وليس ما كانت عليه في الماضي .