العالم يشتعل و على القطر العربي الاستعداد

العالم يشتعل و على القطر العربي الاستعداد

بلقم : مالك المانع.

 في زمن تتسارع فيه التحولات الجيوسياسية على نحو غير مسبوق، وتتشابك فيه مصالح القوى الكبرى على مسرح العالم المضطرب، تقف الدول العربية أمام واقع بالغ التعقيد، تُثقل كاهلها فيه أزمات داخلية مزمنة، وتطوّقها تحديات خارجية لا تملك غالبًا أدوات مواجهتها. العالم يشتعل، والمنطقة العربية ليست فقط جزءًا من المشهد، بل كثيرًا ما تكون بؤرته الأكثر احتدامًا.

ففي قلب المأساة، تبقى فلسطين رمزًا لجرح عربي لا يندمل، حيث يتواصل العدوان الإسرائيلي بوتيرة متصاعدة، في ظل انسداد سياسي وانقسام داخلي، يقابله ضعف في الزخم العربي والدولي. ما يحدث في غزة والضفة الغربية، من عمليات قصف وتهويد واعتداءات متكررة على المقدسات، يطرح أسئلة وجودية على النظام الإقليمي العربي بأسره.

أما لبنان، فقد بات نموذجًا للدولة المحاصرة بأزماتها، حيث الشلل السياسي المزمن، والانهيار الاقتصادي الحاد، وغياب أي توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، يجعل من هذا البلد ساحة مفتوحة لأي ارتدادات إقليمية أو توترات أمنية قد تندلع في أي لحظة.

في الجوار، ليست سوريا أفضل حالاً من جارتها فهي تعيش تبعات حرب مدمرة أضعفت الدولة ومزّقت المجتمع، وسط تدخلات إقليمية ودولية متشابكة، جعلت من الأرض السورية ساحةً لصراع نفوذ لا يبدو أنه سينتهي قريبًا. أما اللاجئون، فقد أصبحوا وقودًا للمزايدات السياسية، بلا أفق حقيقي للعودة أو للاندماج حيث يقيمون.

وليس ببعيد عن لبنان و سوريا لا يبدو أن العراق أفضل حالاً منهما ، فالبرغم من استعادة العراق شيئاً من الاستقرار الأمني، قد تجاوز بعدُ إرث الانقسام الطائفي والتدخلات الخارجية. إلا أن الأزمات السياسية، والتجاذبات بين القوى المحلية، والفساد العميق، جميعها يُبقي بغداد في حالة انتظار مقلقة لأي تغير مفاجئ في ميزان القوى الإقليمي.

وفي الشمال إلى القارة الأفريقية ، تتباين ملامح التحديات لكنها لا تقل خطورة. فليبيا ما تزال عالقة في دائرة من الانقسام السياسي والتنازع على الشرعية بين حكومتين متنافستين، في ظل وجود ميليشيات مسلحة غرب البلاد  ونفوذ أجنبي متعدد الاتجاهات.. أما تونس، فرغم ما حققته من تجربة رائدة عقب ثورة 2011، فإنها اليوم تواجه أزمة سياسية ودستورية حقيقية ، تتقاطع مع أزمة اقتصادية عميقة تُضعف الدولة وتقلق الشارع.

أما الجزائر والمغرب، وبرغم محافظتهما على حدّ معقول من الاستقرار، فإن التوترات المتكررة بين البلدين حول ملف الصحراء الغربية تلقي بظلالها على مستقبل التعاون المغاربي، وتعزز مناخ التوتر  والتنافس بدل الشراكة. يضاف إلى ذلك الضغوط الاجتماعية الناتجة عن تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع البطالة، خصوصًا بين الشباب.

و في أقصى الجنوب من القارة ، يقف السودان على حافة الانهيار الكامل، بعد أن انفجرت الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، الأمر الذي أدَّى إلى تفكك الدولة المركزية، ووقوع ملايين المدنيين ضحية لنزاع دموي لا أفق له. البلاد اليوم غارقة في الفوضى، وسط تجاهل دولي وأداء عربي لا يرقى إلى مستوى الأزمة.

ولا يختلف المشهد كثيرًا في اليمن التعيس ، حيث تسببت سنوات الحرب في كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتحوّلت البلاد إلى ساحة نفوذ متقاطع بين أطراف إقليمية، بينما يبقى الشعب اليمني هو الضحية الأولى، و الخاسر الأكبر وسط هشاشة في أي عملية سلام محتملة.

أما عن مصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، فتواجه تحديات اقتصادية حادة، بفعل التضخم المتسارع، وأزمات الديون، والضغوط الاجتماعية التي أضحت تتنامى في ظل سياسات تقشفية وصعوبات معيشية متزايدة. كما تواجه البلاد تهديدات أمنية على حدودها، ومخاوف مستمرة من انعكاسات الأزمات الإقليمية، لا سيما في غزة والسودان.

وعلى الضفة الخليجية، ورغم ما تتمتع به دول كـالسعودية والإمارات وقطر من استقرار نسبي وطفرة اقتصادية، فإنها ليست في منأى عن المخاطر و التوتر مع إيران، والاضطرابات في ممرات الملاحة البحرية، وتحديات ما بعد النفط، كلها ملفات تفرض على هذه الدول تبني سياسات توازن دقيقة وسط عالم شديد التقلب. أما الكويت، فتعاني من انسداد سياسي مزمن، يعرقل التنمية ويُضعف فاعلية الدولة، بينما تسعى سلطنة عُمان إلى الحفاظ على حيادها التقليدي، في بيئة إقليمية ضاغطة و لايبدو أن الهدوء السياسي الذي تنتهجه السلطنة سيصمد طويلاً في ظل الصخب الذي يشهد العالم.

الأردن بدوره يواجه معضلة مزدوجة؛ اقتصادية من جهة، وأمنية من جهة أخرى، إذ تتحمل المملكة أعباء أزمة اللاجئين، وتعيش على وقع التوترات الجيوسياسية المحيطة، ما يستنزف مواردها ويجعلها في حالة يقظة دائمة.

كل هذه الوقائع ترسم مشهدًا عربيًا بالغ الهشاشة، تتشابك فيه الأزمات وتتكرّس فيه الانقسامات، بينما تزداد الأطماع الخارجية، وتغيب أية رؤية جماعية قادرة على إدارة هذه المرحلة الدقيقة. والمفارقة أن العالم، وهو يشتعل من أوكرانيا إلى تايوان، لا يملك وقتًا للإنصات إلى نداءات الخطر القادمة من الشرق الأوسط، ما يضاعف من مسؤولية الأنظمة العربية في بناء مقاربة جديدة تتجاوز ردود الفعل المؤقتة.

فمن دون مشروع عربي شامل، يعيد الاعتبار للتكامل السياسي والاقتصادي، ويواجه تحديات الأمن والسيادة والتنمية كقضية مصير، فإن المنطقة ستظل عرضة لرياح التقسيم، وفريسة لصراعات الآخرين. إن التحدي اليوم ليس فقط في مواجهة الأزمة، بل في امتلاك الإرادة لصياغة مستقبل مختلف.

شـــارك الخبر علي منصات التواصل

صحيفة فــــسانيا

صحيفة أسبوعية شاملة - منبع الصحافة الحرة

شاركنا بتعليقك على الخبر :