المستشارة القانونية : فاطمة درباش
“. تُشيرُ العدالة الانتقاليّة إلى كيفية استجابة المجتمعات لإرث الانتهاكات الجسيمة والصّارخة لحقوق الإنسان. وهي تطرحُ بعضًا من أشدّ الأسئلةِ صعوبةً إن في القانون أم السياسة أم العلوم الاجتماعيّة، وتجهدُ لحسمِ عددٍ لا يُحصَى من الجدالات. إنَّ العدالة الانتقاليّة تُعنى، أوّلًا، بالضّحايا، قبلَ أي اعتبارٍ آخر. وهي تصبُّ جلّ تركيزها على حقوقهم وكرامتهم بصفتهم مواطنين وأشخاصٍ على حدّ سواء، وهي تسعى إلى المُحاسبة على الأضرار الّتي تكبّدها هؤلاء وإلى انتزاع الإقرار بها وتحقيق الإنصاف في شأنها. فالعدالة الانتقاليّة تضعُ الضّحايا في صلبِ عملها وتُولِي كرامتهم الأولويّة القُصوى، وهي بذلك، إنّما تدلّ على الطّريق المؤديّة إلى إبرامِ عقدٍ اجتماعيّ جديدٍ يشملُ المواطنينَ جميعهم ويحفظُ حقوقَ كُلٍّ منهم. إنّ العدالة الانتقالية متجذّرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان. ويقع على عاتق الدول التزام بتوفير سبل انتصاف فعالة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، وتلبية حقوقهم في الحقيقة والعدالة والجبر. ومن أجل الوفاء بهذا الالتزام، فتضمُّ العدالة الانتقاليّة الأفراد الّذين يجتمعونَ من أجلِ معالجة إرث الفظائع الشّنيعة، أو إنهاءِ الحلقات المُتجدّدة من النّزاع العنيف، وذلكَ من خلالِ وضعِ مجموعةٍ من الاستجابات المُختلفة. وهي استجاباتٌ قد تشملُ إدخال الإصلاحات إلى الأنظمة القانونية والسياسية والمؤسسات الّتي تحكمُ المجتمع، بالإضافة إلى الآليات الرّامية إلى كشف الحقيقة حولَ ما جرى وأسبابه وإلى تحديد مصير المُعتقلينَ أو المخفيين قسرًا. وقد تشملُ هذه الاستجابات أيضًا العمليات القضائية وغير القضائية، على غرارِ المُلاحقات الوطنيّة والملاحقات الجنائية الدّولية، الآيلة إلى مُحاسبة الجناة، وكذلكَ المُبادرات الرّامية إلى جبر الضّرر للضحايا، الّذي قد يتّخذ أشكالًا عدّة، منها التعويض الماليّ والمعاشات واسترجاع المُمتلكات أو استرداد الحقوق المدنية والسّياسيّة، والحصول على الرّعاية الصّحية أو التعليم، بالإضافة إلى الاعتراف بالضّحايا وبالاعتداءات التي تعرضوا لها. ومن شأنِ هذه الاستجابات، أنُفِّذَت منفردةً أم مجتمعةً، أن تؤازرَ المجتمع في الانتقالِ من النّزاع إلى السّلام المُستدام، ومن الحكم الاستبدادي إلى الدّيمقراطية. تشمل عمليات العدالة الانتقالية تقصي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية وأنواع مختلفة من التعويضات ومجموعة واسعة من التدابير لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، والجهود الرامية إلى تخليد الذكرى، والمبادرات الثقافية، وصون المحفوظات، وإصلاح تعليم التاريخ، بحسب اقتضاء واحتياجات كلّ جانب. تساهم عمليات العدالة والمساءلة في كسر دوّامة العنف والجرائم الوحشية، واستعادة سيادة القانون والثقة في المؤسسات، وبناء مجتمعات قوية وقادرة على وأد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قبل وقوعها. فالعدالة الانتقالية هي التي تبني مجتمعا أكثر سلامًا وعدلًا وشمولًا للجميع، صفّى حساباته مع ماضيه العنيف وأحقَّ العدالة للضحايا لكن، ما مِن طريقٍ واحد يمكن سلوكه ،فلِكُلِّ مجتمعٍ طُرقٌ عديدة يسلكها، تُحدّدها طبيعة الجرائم والانتهاكات المُرتكبة وخصائص المُجتمع نفسه، بما في ذلكَ ثقافته وتاريخه وبُنياه القانونيّة والسّياسية وقدراته بالإضافة إلى انتمائه الثقافي ودينه وتكوينه الاجتماعي. وبالتالي يمكن تحقيق العدالة الانتقالية من خلال عدة آليات وهي المحاكمات،لجان تقصي الحقيقة، تعويض الضحايا (جبر الأضرار) إصلاح المؤسسات، آليات إحياء الذكرى وهنا يتم إحياء الذكرى من خلال النصب التذكارية الموجودة في أغلب المجتمعات من تماثيل ولوحات تذكارية تخلد أبطال الحرب أو متاحف وطنية تهتم بالتراث الثقافي.