بقلم :: محمد بعيو
الوظيفة العمومية في لـــيـبـيـــا غـنـيـمـة – نعم غـنـيـمـة – وخاصة وظائف ومناصب المستويات العليا والوسطى السياسية والعسكرية والإدارية والإقتصادية والأمنية وأحياناً القضائية، والمغرم الوحيد الذي يدفعه من يتولونها ويستولون عليها هو الخوف الدائم من فقدانها وخسارتها، وما يترتب عن هذا الفقدان وهذه الخسارة من انهيار كل شيء في معيشتهم بل في حياتهم ووجودهم الشخصي والعائلي والمجتمعي، والثمن الوحيد الذي لابد من دفعه للبقاء والاستمرار، وهو ثمن ربما لا يتجاوز ربع الغنيمة، هو إشراك الأقوياء والمتربصين وأصحاب السلطان في جزء من العوائد المادية والمعنوية والتنازل لهم عن بعضها طوعاً أو كرهاً، وبمقدار ما يدفع مغتنم السلطة والكرسي والمنصب من ثمن يطول أو يقصر بقاؤه ضمن الجالسين في مغارة الكنز.
ففي دولة الـرِيـع حيث لا يرتبط الاقتصاد بالانتاج، ولا النجاح بالعمل، ولا الارتقاء بالجدارة، ولا البقاء بالقدرة، وفي لـــيـبـيـــا بالذات حيث أصبحت ثروة النفط أو الدخل المترتب عن استخراجه وتصديره، والمملوك للدولة أو لما تبقى من تمظهراتها الأخيرة المصدر الوحيد للإثراء وللبقاء منذ تم في زمن شطحات جنون الاشتراكية البلهاء قبل نحو أربعين عاماً إلغاء وتحريم بل وتجريم التجارة والنشاط الخاص وتحويل كل الليبيين إلى عاملين في جهاز الدولة والسلطة البيروقراطي العقيم الكسول الفاسد، مما أنتج صدمة مجتمعية كبرى لم يتخلص منها الاقتصاد والإدارة والمجتمع كله رغم انتكاس تلك الاشتراكية والسماح بالتجارة والنشاط الخاص بخجل بعد هزيمة الجيش الليبي في معارك معطن السارة سنة 1987، ثم باندفاع أهوج بلا حدود ولا قيود منذ ما بعد رفع الحصار سنة 2000 وبعد احتلال بغداد سنة 2003، وحتى اندلاع انتفاضة أو فوضى فبراير التي وقعت في أسوأ ظرف يمكن أن تقع فيه، فقد بدأت البلاد تستقر والاقتصاد يزدهر، والعلاقات مع الخارج تتطور، وانطلق المشروع التنموي الشامل باستثمارات تجاوزت الـ 200 مليار دينار رغم ما فيه من فساد ورشاوى، وكان مقرراً ومقدراً أن تنتهي مع سنة 2015 معظم مشاريعه التي كانت ستحقق نقلةً نوعية في حياة ومستقبل الليبيين أصبحت أطلالاً تنعى من بناها.. ولكن قدّر الله وما شاء فعل.