- عبدالرحمن جماعة
كلمة (مرهون) التي ترد كثيراً في (غناوي العَلم)¹ يُراد منها المحبوب الذي ارتهن للغير، سواء بخطبة أو زواج أو غيرها.
والرهن في اللغة هو الحبس والوقف والتثبيت، قال عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}²، اي: حبيسة عملها وموقوفة عليه ومؤاخذة به.
فالمرهون في (العلم) هو المعشوق الذي حُبس للغير، وأوقف له، وصار حكراً عليه، وتعذر أو استحال الوصول إليه.
ولهذا اقترن الرهن بـ”اليأس” وبـ”العزيز”.
وهذه المفردات الثلاث (مرهون، عزيز، ياس) لها علاقة وثيقة ببعضها، فعندما “ارتهن” المحبوب “عزَّ” طلبه “فيئس” المحب من وصاله، وبهذا نفهم لماذا يختار الغناي كلمة عزيز بدل المحبوب أو المعشوق.
لأن الغناي يتحدث عن المحبوب من جهة إستحالة اللقية والوصال، لا من جهة مقدار المحبة والغرام، ولهذا عبر عنه بالعزيز. والعزيز هو المنيع الذي لا يُنال ولا يُطال، ويصح أن تكون “عزيز” بمعنى الذي يعز عليك فقده.
فمحبوبه عز وصاله بسبب ارتهانه للغير.
ولأن غناوة العلم هي نحيب في مناحة، وأنين يعبر عن وجع، وصراخ ناتج عن ألم.
ولأن غناوي العلم هي بكائيات وليست ترانيم، وهي أنين وليست شدو، وهي صراخ وليس صداح.
لذلك.. لا يمكننا أن نتصور بأن الغناي جاء ليشدو ويُطرب، وإنما جاء ليستنفر الباكين، وليُحشد النائحين، وليستثير العواطف، وليُهيّج المشاعر، وليستدرَّ الشفقة، وليستميل القلوب.
ولذلك – أيضاً- هو لا يتحدث عن الحب والغرام والوجد، وإنما يتحدث عن البين والفراق والفقد.
واستناداً على هذا كله لا يصح أن تكون كلمة عزيز بمعنى محبوب، وإن كانت تعنيه ضمناً.
وبالعودة إلى كلمة مرهون فإن لها معنىً آخر، وغور أبعد، ومستوىً أعمق.
فكلمة (مرهون) تستلزم وتتضمن إدعاء المِلكية، بخلاف كلمة فقيد، لأنك قد تفقد ما لا تملك، لكنك لا ترهن إلا ما تملك.
فالغناي يقول بأن هذا المحبوب هو لي وحدي، وليس لأحد سواي، فكيف يرتهن لغيري وهو لي؟!.
—‐————————–
1- غناوي العلم= هي قصيدة البيت الواحد تغنى غناء بلحن وبطريقة مخصوصة.
2- سورة المدثر: 38.
* للاستمتاع إلى غناوة علم انظر أول تعليق.
* الصورة من الذكاء الاصطناعي.