- حسام محمود النفيش
هل تجربة المصالحة الوطنية فى ليبيا تسير في طريق إنجاز مصالحة مستدامة وفي بناء سلام دائم غير مهدد؟ أم تسير في طريق إنجاز مصالحة تقليدية أو صامتة وبناء سلام بارد لتجميد النزاعات بشكل مؤقت؟
ماهو بناء السلام ؟
بناء السلام يقوم بشكل أساسي على التفاعل مع الأسباب الكامنة وراء اقتتال الناس فيما بينهم في المقام الأول إلى جانب دعم المجتمعات لإدارة خلافاتها ونزاعاتها دون اللجوء إلى العنف وعملية بناء السلام طويلة الأجل والتعاونية.
* المصالحة الصامتة
هي أحد المداخل التي تلجأ إليها بعض الدول سعيا للخروج من الأزمات المستعصية حيث يقبل أطراف النزاع ساحة يشغلها كل طرف سلميا دون أن يسعوا لمكتسبات جديدة عبر استهداف آخرين، فالمصالحة الصامتة مصالحة علنية تقليدية وغالبا ما يكون اللجوء إليها مرتبطا بإدراك أمرين أساسيين:
الأول- أن أطراف النزاع قد مروا بصعوبات وعوائق يستحيل فيها حسم الصراع لطرف ما على المدى القصير والمتوسط في ظل استمرار الإنهاك والخسائر والاستنزاف المتبادل.
الثاني- يتعلق بعدم قدرة أطراف النزاع على تحمل تبعات المصالحة التقليدية الشاملة والتي تتطلب كلفة عالية مثل الاعتراف السياسي والمحاسبة على الجرائم المقترفة وتقديم تنازلات سياسية فالكلفة الكبيرة للمصالحة التقليدية الشاملة برزت في تجارب شهيرة مثل تجربة جنوب أفريقيا والتي تبدو أهميتها في كونها عملية ديناميكية وشاملة تتيح الانتقال من الماضي العنيف إلى مستقبل مشترك عبر عملية ” إعادة تشكيل وتصميم للعلاقات بين أطراف النزاع من خلال مراحل معقدة وممتدة ” وتشمل ثلاثة عناصر رئيسية :
1) بناء منظومة للعدالة الانتقالية.
2) الاعتراف بأخطاء الماضي.
3) التعويض الحقيقي أو الرمزي لضحايا الأطراف المتضررة.
الفرق بين المصالحة التقليدية والصامتة في كون الأخيرة لاتحتاج إلى العناصر سالفة الذكر حينما يكون الصفح والإدماج والتنازل السياسي أوالعقائدي غير وارد أن لجوء أطراف النزاع إلى المصالحة الصامتة قد يكون نابع من أمرين :
الأمر الأول- قرار داخلي ويكون نابعا من إدراك أطراف النزاع الداخلية الصفرية وعدم قدرة أي طرف على إلحاق الهزيمة بالخصم بشكل نهائي.
الأمر الثانى- الضغط الخارجي حيث قد تكون المصالحة الداخلية الصامتة نتاج تأثير وضغوط أطراف خارجية لتجميد الصراع.
* أنماط المصالحة الصامتة
1) مصالحة صامتة وسلبية وهي تقوم على توقف أطراف النزاع عن ممارسة العنف وقبول التعايش والوجود الإضراري في نفس المسافة دون التحرك إلى ماهو أبعد من ذلك وهكذا تبدو المصالحة الصامتة السلبية أشبه بحالة سلام بارد بين أطراف النزاع أو هدنة مؤقتة أو وقف اعتداء وقد تكون مجرد مرحلة لالتقاط الأنفاس.
2) مصالحة صامتة إيجابية
حيث يكون الاتفاق بين الأطراف بوقف الاعتداء والإيذاء المتبادل خطوة نحو بناء علاقات إيجابية مستقبلية تتسم بالتفاعل والثقة والسعي لتطوير علاقات أكثر تجانسا.
* إشكالية المصالحة الوطنية ذات الحد الأدنى
تصف بعض أدبيات بناء السلام هذا النوع من حل الصراع بالمصالحة المفرغة والتي لاتقود إلى عملية سلام ممتد كما يسميها بعض الباحثين بمصالحات الحد الأدنى أو بالنوع الرقيق من المصالحات كونها تشبه حالة ( تعايش غير قاتل ) وتبدو المصالحات الصامتة في العموم في حالة استعادة للنزاع العنيف مجددا للأسباب التالية :
1) عدم القدرة على تجاوز سلبيات الماضي.
2) عدم اتفاق المتنازعين حول المصالح.
3) الامتداد الخارجي للنزاع.
4) غياب التجذر المجتمعي للمصالحة ( بمعنى عدم وجود ظهير أو قناعة مجتمعية لفكرة المصالحة وإهمال النخبة في إيجاد الظهير وخلق تلك القناعات لدى المجتمع).