عبدالرحمن جماعة
كان سائقاً متهوراً نزقاً، (يسطرب) بهم، ولا يهتم لراحة الركاب، يتجاوز السرعة القانونية. وفي لحظة من لحظات القدر وهو يعبر أحد المنعطفات بسرعة عالية، (تعرَّم) الركاب على بعضهم، وانكسر (ترمس) الحاجة خديجة، واختلط الشاي (بالزميتة) التي تملأ الممر بين كراسي الحافلة، انزلق أحدهم في هذه الخلطة وكُسرت رجله.
لم يأبه السائق لتنبيهات الركاب وصراخهم، حاولوا أن يستجدوه ويستعطفوه.. ولكن دون جدوى، طلبوا منه أن يُنزلهم فرفض.
هددوه بأنهم سيشتكونه إلى شركة الحافلات، وإلى الجهات الأمنية، لكنه سخر منهم.
اقترح الحاج امبارك على الركاب أن يهجموا عليه وينتزعوا منه المقود.
تناقل الركاب الفكرة فيما بينهم، كل واحد يهمس بها في أذن رفيقه.
اتفقوا على أن يهجم الحاج موسى أولاً، وذلك لأنه أقواهم، ولا يزال (صايد عافيته).. على رأيهم!.
..
ركن السائق الحافلة يميناً في ذلك الطريق الصحراوي.. ونزل ليتبول.
باغته الحاج موسى بضربة من عكازه على (زنقرته)، فجاءته على مقتلة.
مات السائق..
أو لنقل: قُتل السائق.
دفنوه في الصحراء ليتخلصوا من جثته.
وما إن عادوا إلى الحافلة حتى دبَّ الخلاف بينهم حول من يقود الحافلة.
لكنهم سرعان ما اتفقوا على أن يقودها مصطفى، على الأقل هو أكثرهم علماً، فقد درس في محو الأمية قبل سنوات، ورغم أن مصطفى لم يمسك مقود أي مركبة في حياته، إلا أنه وافق درءاً للخلاف، وحسماً للنزاع، وتجنباً للفتنة.
..
أدار مصطفى المفتاح فاشتغل المحرك، حك كفيه على بعضهما فرحاً بنصف الإنجاز، ثم ضغط على البنزين فتراجعت الحافلة للخلف، حاول أن يوقفها فلم يقدر.
كان يحاول إيقافها بسحب المقود ناحيته وبكل قوة، هكذا كان يفعل مع حمارهم في (السانية)!.
ومع كل محاولة لسحب المقود كان يضغط على البنزين برجله دون أن يشعر، فتزداد سرعة تراجع الحافلة.
خرجت الحافلة عن الطريق، وصعدت على كثيب رمل، ثم انكفأت على جنبها الأيمن.
تسلق الركاب إلى نوافذ الجهة اليسرى، التي صارت في الأعلى، وخرجوا جميعاً.
أول من أخرج رأسه إسماعيل، كان يمسح الدم عن وجهه وهو يقول: “قولولنا من الاول ما تعرفوش تسوقو”!.