- البانوسي بن عثمان :: سمنو :: سبها
كان السكون مع الصمت المطبق . يخيم على الجمع الكثيف . الذى تحلّق حوّلهما , وسط ساحة القرية الترابية . كان المسن الذى تُغطى صفحات وجهه تجاعيد أعوامه الثمانين . ممسك بيد الاخر . حدّق العرّاف ملياً . في خطوط وتضاريس الكف . ثم اشاح ببصره عنها . محتفظا باليد في قبضته اليمنى . وبعينيه مثبتتين في وجه الاخر . ثم شرع يقول .
* لا تحاول يابُنى . اعتلاء صهوة الصحراء . ان لم تكن سيدا من ساداتها .
*لا تحاول يابُنى . حتى وان جاء مَن ولأمر في نفسه . ليُلجمها ويُسّرجها لك , ويساعدك على اعتلاء ظهرها والاستواء عليه . وقد يرافقك لمراقبتها ولو الى حين . ولكنّها وبحواسها العديدة . ستعّرف بان هذا الذى جاء ولأمر في نفسه . مبادر عارض عليك خدماته تلك . سياتي بعد حين مبادرا ايضا بالتخلي عنك .
عندها ستتدرع بصبرها الصحراوي . في انتظار تلك اللحظة . وعندما تأتى تلك . وتصير انت بحوزتها منفردا . وتستوّحد بك فضاءات فيافيها المترامية الاطراف . حينها سينتابها جموح لا حدود له . يجّلدها بسياط من انتقام . فلا تهدى ولا تكف عن الانتفاض والهيجان . حتى تطرحك ارضا بين قدميها . وقد تشج رأسك بحافرها . فتسيل الدماء . لتغطى حيزا ليس بالقليل من صفحة وجهك المرعوب . بعدما تكون قد جرجرتك . سحّلا لا رحمة فيه . وانت متشبّث بلجامها . امام الاشهاد . في مشهد يستحيل محوه من ذاكرة الزمان .
*لا تحاول يابنى . حتى وان جاء من ليهمس في ادنك . بانه سيكون ظهير لك عليها . فاعلم بان الصحراء تعرف ابنائها جيدا . فهى من عركتّهم في جحيم اُتون تقلباتها القاسية . المتأرجحة ما بين النقيض ونقيضه . ومن ثم عجمتّهم . فدفعت بهذا الى المتن . ليخطّه بأبجدية الصحراء السرمدية . وبالآخر الى الهامش . ليعيش حياة الاطراف في الحلّبْ والصرّ.
*لا تحاول يابُنى . حتى وان استفرد بك . من يستعّديك على ذلك . في خلّوته البعيدة . فأعلم يابنى .بان للصحراء مقامات ومراتب ايضا . لا تتسامح البتة مع من لا يقف عندها . فهى كانت تعلم ودائما . بان ابناء الهامش . عندما يندفعون نحو والى داخل المتن . سيخطونه بخربشات تَسّتلْهم السفه . وتسّتدعيه الى فضاءاتها . وسيعمْ حينها العبث . الذى سيجّرف الجميع الى الحضيض اللامسؤل . في انحدر لا ريب فيه . الى الخراب والفناء .
* ولكن عليك يابُني . ان تعلم . بانه لا احد يقبل باستدعاء السفه الى فضاءاته . ليُجرّجرْ به الى الحضيض . نحو مهاوى الخراب والفناء . فلا احد يقبل بذلك او يسّتسيغه . الا من عاش على الاطراف . وصاغه وشكّله الهامش . بمفرداته الرثة الحاقدة .
*فلا تحاول يابنى . العبث مع الصحراء وبها . فاعلم بان للصحراء سنن لا تتسامح مع العابث بها .
ما ان انتهاء العرّاف . مما جاء في قراءته . لخطوط وتضاريس كفْ الاخر . حتى نهض صوت مجلجل من وسط الجمع . يقول ويردد : – النص للعرّاف والتأويل لى . النص للعرّاف والتأويل لى .
عندها حرّر العرّاف . اليد من قيضته اليمنى . واتجه نحو الطوّق البشرى المحيط بهما . ما ان صار على بُعد خطوة واحد منه . حتى انْفرج الطوّق في فتحة . ظهرت من خلاله ساحة القرية الترابية . المُحاطة بالبيوت وفُرُجات الازقة الضيّقة . اتجه المُسن صوّب احدها . وما كّف عن الاجتهاد في ممشاه بخطواته المتثاقل . بأعباء اعوامه الثمانين . حتى احّتوته عُتمة الزقاق الضيق . فصار اثر بعد عين .